وإنما لم يذكر الواحدة قبل قوله : « مثنى » ؛ لأنّ المقام مقام التعديل ، أو لأنّها كانت معلومة مرخّصة فيها ، والمطلوب من الآية ترخيص التعدّد.
ثمّ اعلم أنّ التعبير عنهنّ بـ « ما » للاشارة إلى قلّة عقولهنّ. وأنّ قوله : مثنى وثلاث ورباع منصوبات على الحال من مفعول « فانكحوا » أى ؛ حالكونهنّ معدودات بهذا العدد ثنتين ثنتين ، أو ثلاثا ثلاثا ، أو أربعا أربعا ، فهذه الألفاظ الثلاثة معدولات منها ، .. والخطاب للجمع أي : خذوا كلّ واحد منكم ثنتين أو ثلاثا أو أربعا ، أو مختلفا كما يقال : اقسموا هذا المال اثنتين اثنتين ، ثلاثة ثلاثة ، أربعة أربعة ، ويراد قسمة المال على الوجه المذكور سواء كانت القسمة متفقة أو مختلفة.
قوله : وانكحوا الايامى منكم إلى آخره.
الأيامى جمع الأيّم ، وأصله أيائم ، فقدّم وأخّر كيتامى جمع يتيم. والأيّم من الرجل :
من لا امرأة له ومن المرأة من لا زوج لها بكرا أو ثيبا. وأحد مفعولي « انكحوا » محذوف أي انكحوا الأيامى من الرجال منكم النساء ومن النساء الرجال. أو المعنى : وانكحوا الايامى منكم من الرجال والنساء بعضهم من بعض. والمراد هنا ؛ الأيّم من الأحرار والحرائر بقرينة ما بعده من الأمر بتزويج الصالحين من العباد والإماء ، وإنّما خصّ الصالحين ؛ لشدّة الاهتمام بشأنهم ، وللترغيب إلى الصلاح ، فإنّهم إن رأوا أمر الأولياء بتزويج الصالحين يميلون إلى الصلاح.
قوله : وأقلّ مراتب الأمر الاستحباب.
تتميم لدلالة الآيتين على استحباب النكاح. وهنا إشكالات ثلاثة :
الأوّل : أنّ المراد إما أنّ أقلّ مراتب الأمر في الاستعمال الاستحباب ، أو أقلّ المراتب التي اختلف فيها في كونه حقيقة الامر الاستحباب ، وشيء منهما ليس كذلك ؛ إذ استعمال الأمر في الاباحة والرخصة والإرشاد كثير غاية الكثرة ، والقول بكونه حقيقة في الإباحة أيضا موجود ، وهي أدنى من الاستحباب ، فلا يكون الاستحباب أقل المراتب.
الثاني : أنّ كونه أقلّ المراتب لا يفيد في إثبات الاستحباب ؛ إذ لا يقول أحد بوجوب حمل اللفظ على أقلّ المراتب ، بل الواجب حمله على الحقيقة سواء كانت الأقل أو الأكثر ،