فاذا بنينا أن إهمال العلم الإجمالي في الحقوق المشتبهة ومخالفته جائزة وان قيام البينة سبب مملك لمن أقيمت له كان إعطاء كل منهما نصف المدعى به اعمالا لبينته في الجملة مع عدم محظور من جهة مخالفة الواقع.
فان قلت : ان كان الأمر كذلك لا يصار الى القضاء بالتنصيف من أول الأمر إلى حين تعارضهما وتكافؤهما ، بل يرجع الى الحلف أو القرعة ، مع كون القضاء بالبينة في مجراها مقدما على الجميع.
قلنا : ان التنصيف ليس قضاء كاملا بالبينة ، بل هو قضاء به على وجه النقصان ، ومع إمكان القضاء بميزان آخر كاليمين مثلا على وجه التمام لا يصار الى القضاء بالبينة على وجه النقصان. وبعبارة أخرى : ان التنصيف قضاء بموجب البينة وعمل بها في الجملة لا بتمام مؤداها ، وهذا مع إمكان استعمال ميزان آخر يقضى به على وجه الكمال والرجحان لا يصار اليه ، بل انما يصار اليه مع فقد جميع الموازين.
وثانيا ـ انه لو لم يقض بالتنصيف في مفروض البحث لم يبق لاخبار القضاء بالتنصيف مثلا مورد أصلا ، فيلزم طرحها. وهو في غاية البعد ، لكثرة تلك الاخبار وعدم ظهور امارة الطرح فيها غير تعارضها بأخبار القرعة التي قد عرفت اختصاصها بصورة إمكان الحلف بعدها.
وهذه لا تنافي ما قدمنا من ترجيح أخبار القرعة عليها في صورة تكافؤ البينتين أو الحكم بالتساقط والرجوع الى عمومات القرعة ، لأن التساقط في صورة التكافؤ وإمكان الحلف بعد القرعة لا ينافي كون تلك الاخبار معمولا بها في غير تلك الصورة. فتأمل والله الهادي.
[ حكم عدم البينة في الدعوى مع عدم تصديق ثالث أحد الطرفين ]
ومما ذكرنا في هذه المسألة ـ وهي المسألة الرابعة ـ ظهر حكم مسألة