كما ظهر أيضا وجه القول بتقديم القديم ، وأما وجه التساقط وعدم العمل باستصحاب الملك السابق كما أبداه العلامة في القواعد ، فهو اما عدم صلاحية استصحاب الملك السابق لا ثبات الملك الاتي أو عدم جريان هذا الاستصحاب أيضا بعد تعارضهما في البقاء ، لان الرجوع الى الحالة السابقة مع وجود الدليل على خلافها انما يتصور إذا كان لذلك الدليل معارض من جنسه ، بأن يكون دليل ارتفاعها واقعا معارضا بدليل وجودها الواقعي ، كما إذا تعارض دليل الوجوب الواقعي مع دليل الإباحة الواقعية ، فإنه حينئذ يرجع الى الحالة السابقة ، وهي البراءة الأصلية لأن بقاء تلك البراءة بمقتضى الظن الاستصحابي سليم حينئذ عن المعارض.
وأما إذا كان الدليل على خلاف الحالة السابقة معارضا لنفس الظن الاستصحابي لا لدليل آخر من جنسه ناظر الى وجود الحالة السابقة في الان الثاني واقعا لم يكن فيه للأخذ بالحالة السابقة وجه بعد فرض صلاحية ذلك الاستصحاب ، أعني البقاء الذي يقضي به الظن الاستصحابي لمعارضة ذلك الدليل.
والحاصل أنه ان قلنا ان الظن الحاصل بالبقاء الحاصل من ملاحظة الحالة السابقة لا يعارض الظن بالحدوث الناشئ من بينة القديم ، فهذا يقتضي الحكم بتقديم بينة القديم جمعا ، وهو خلاف الفرض ، إذ الفرض كما عليه المشهور التعارض بين الظنين والتساقط ، وبعد سقوط الظن الاستصحابي لم يبق هنا للحاكم استصحاب آخر حتى يعول عليه.
ودعوى ان التساقط بسبب المعارضة هو البقاء الذي كان مدلولا لبينة الأقدم فلا ينافي حكم الحاكم بالبقاء بعد سقوط مدلول تلك البينة. مدفوعة بأنه ليس هنا بقاء ان يكون أحدهما مدلول البينة والأخر ميزانا للحاكم بعد تساقط البينتين والأول أوجه كما يظهر بالتأمل. والله العالم.