عند العقلاء بين القول والكتب الا احتمال قصد غرض آخر غير الإفادة ، فإنه أمر غير بعيد في الكتابة لم يعلم بناء العقلاء على الجري بمقتضى عدمه عند الشك ، فان غرض المشق في الكتابة مثلا أو غرض اختبار القلم أو نحو هما من الأغراض ليس بمثابة سائر الأغراض الحاصلة في الأحوال غير الإفادة في الندرة ، فلا بعد في منع ذلك عن اعتبارها.
( وأما الاحتمال الثالث ) فكذلك لا أصل فيه يرجع إليه ، لأن الصورة صالحة للأخبار وللإنشاء ، كالقول فإنه أيضا إذا تردد بين الاخبار والإنشاء يتوقف فيه ، الا أن الأقوال قد يكون الأصل فيها يقتضي الاخبار ، مثل صيغة الماضي مثل « حكمت » و « بعت » و « اشتريت » ، فإنه لو شك في مثل ذلك بل أريد به الاخبار أو الإنشاء فمقتضى أصالة الحقيقة الثاني.
وكذا الكلام في الجملة الاسمية مثل « أنت طالق » و « أنت حر » و « أنا ضامن » فإنها عند الشك أيضا محمولة على الاخبار ، اما لأصالة الحقيقة بناء على ثبوت الوضع للمركبات أو للأصول الاعرابية كما قيل ، فيكون وضع الجملة الاسمية في اللغة للأخبار وتحمل عليه عند الشك أو لأصل آخر يرجع في أمثال المقام اليه. وليس الحال في الكتابة كذلك ، فإن صورة « حكمت » كما تصلح للأخبار كذلك للإنشاء ولا أصل هنا يرجع اليه. الا أن يقال بأن الكتابة تجري مجرى اللفظ عند العرف في جميع الاحكام ، وهو أمر غير ثابت.
نعم قد يقال : بأن الكتابة تكفي في إنشاء الحكم ، وليس الحكم مثل بعض الأمور المعتبر فيه اللفظ كالبيع والنكاح ونحو هما ، بل مثل الأمور التي لا يتفاوت في الكشف عنها بين القول والفعل كما ذكره في محكي مجمع البرهان كالوكالة والفتوى والرواية فإنها تتحقق بالكتابة كما تتحقق بالقول. لكن طريقة معظم الأصحاب من القدماء والمتأخرين على عدم المساواة بينهما وعدم الحكم بقيام