فان قلت : في الفرض المزبور هما متداعيان ، لان مدعي الصحة مثلا يطالب بالمبيع ومدعي الفساد يطالب بالثمن ، فكل منهما مدع الا أن مدعي الصحة معه حجة شرعية لا أنه منكر فيدفع قوله.
قلنا : هذا اعتراف بأن مدعي الصحة ليس بمنكر عند الأصحاب ، بل هو أيضا مدع لكن مع الحجة الشرعية. وقد عرفت أنه ليس كذلك ، فان مدعي الصحة منكر عندهم ، فلا بد من تطبيق التعريف المذكور عليه ، ولا يمكن ذلك بما فسرنا.
فصار المحصل من التعريف أن من يختلف حاله بالسكوت والمخاصمة هو المدعي ، لأنه الذي يتوقف تغير حاله على دعواه ، ومن لم يختلف حاله بالسكوت وعدم السكوت ـ يعني عدم توقف تغير حاله على قوله وتكلمه ـ هو المنكر.
والسر في ذلك أنه لا يكون الإنسان كذلك الا أن يكون قوله مطابقا للدليل الشرعي الذي هو المعول في المسألة من أصل أو غيره ، إذ لو كان قوله مخالفا للدليل الذي هو المرجع في مورد الدعوى اختلف حال سكوته وحال تكلمه ، بمعنى عدم توصله الى مقصوده في إحدى الحالتين وهي حالة السكوت وتوصله الى مقصوده في الأخرى وهي حالة التكلم والدعوى.
[ المدعى في دعوى الإبراء هو المديون ]
ومن هذا البيان يظهر أن المدعي في دعوى الإبراء هو المديون ، لأنه الذي يختلف حاله من حيث الوصول الى المقصود الذي هو التخلص من مطالبة الدائن وعدمه بدعوى الإبراء وعدمها ، وأما الدائن فلا يتفاوت حاله بعد إقرار المديون بالدين بعد أن ينكر الإبراء أو يسكت فإنه يتوصل الى مقصوده في الصورتين.