فبغض النظر عن أنّ (عمر بن الخطاب) هل يمتلك شرعية الإستخلاف أو لا ، فأنّا نرى أنَّ من الواضح أنّه لا معنى للتوفيق بين ما ثبت بالدليل الشرعي المتفق عليه بين المسلمين عن رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) ، وعن طريق الإجماع المنقول عنهم من كون الخلفاء كافة من (قريش) ، وبين ما حاوله (عمر بن الخطاب) في مقولته الآنفة الذكر ، إذ أنّ التبرير المذكور لذلك لا يستند إلى أيّ أساس علمي ، لوضوح أنّ الإجماع إنّما ينعقد ويكتسب شرعية من خلال نفس الناطق باسم التشريع ، ومن خلال نفس أقوال رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) وأحاديثه ، ومن البديهي أنَّ الذي أخبر عن كون الخلفاء من (قريش) هو رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) ، ومن خلال هذا الإخبار انتهى العلماء إلى القول بالإجماع على ذلك بلا فصل ، فلا معنى إذن للقول بأنّ الإجماع قد يكون منعقدا بعد (عمر بن الخطاب) ، بإعتبار أنَّ هذا النوع من الإجماع كاشف عن الحقيقة الشرعيّة الثابتة بالنّص الصريح.
وعلى هذا الأساس فإذا اتفقنا على القول بأنّ رسول الله قد نصّ بشكل صريح على كون (الخلفاء الإثني عشر) من (قريش) ، وأنّ الأمر لا يخرج عن ذلك أبداً ، وإلى حين قيام الساعة ، واتفقنا أيضاً على أنّ الإجماع قد انعقد بين المسلمين على ذلك ، فلا بدّ أن نتفق أيضاً بعد هذا على أن الواقع الإسلامي آنذاك ، ومن حين كان رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) حيّاً بين ظهرانىّ الأمّة قد تسالم على هذه الحقيقة ، وتعامل معها كأمرٍ مفروغ عنه من الوجهة الشرعية ، وإنّما تمّت استفادة الإجماع منذ ذلك الحين ، وعلى هذا الأساس.
وأما الإحتمال الثاني الذي أورده (ابن حجر) في مقام تصحيح محاولة (عمر بن الخطاب) فهو ساقط عن الإعتبار أيضاً ، ولا يُعبأ به بشكل لا يقبل التراجع والتردّد ، إذ لا إجتهاد في مقابل قول النبي الخاتَم (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) ، وحكمه الصريح ، المعترف به في مصادر (مدرسة الخلفاء) المعتبرة.