اقول : حكى الشيخ رحمهالله في المبسوط (١) عن قوم من الفقهاء أن قبول المبرئ شرط في صحة الابراء ، ثم قال : وهو الذي يقوى في نفسي ، لان في ابرائه اياه من الحق الذي له عليه منة عليه ، ولا يجبر على قبول المنة. واختار المصنف أن القبول ليس بشرط ، وقواه الشيخ رحمهالله أخيرا. لنا ـ وجوه :
الاول : قوله تعالى « وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ » (٢) فاعتبر مجرد التصدق والذي هو عبارة عن الابراء هنا ، ولم يعتبر القبول فيبقى على أصله ، وهو عدم الاعتبار.
الثاني : قوله تعالى « وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلّا أَنْ يَصَّدَّقُوا » (٣) وتقرير الاستدلال به كما سبق في الوجه الاول.
الثالث : انه قول أكثر علمائنا ، فيكون راجحا بالنسبة الى الاول.
والمتأخر اختار القول الاول ، وأجاب عن أدلة الثاني بأنها دليل الخطاب ، وهو غير معمول به. وهو غلط ، فانا لم نستدل بالآيات على عدم اشتراط القبول حتى يلزم ذلك ، بل استندنا في ذلك الى الاصل ، وذكرنا أن الآيات لا يدل على اشتراطه ، فافهمه.
قال رحمهالله : ولا يجبر الموهوب [ له ] على دفع المشترط ، بل يكون بالخيار. ولو تلف والحال هذه أو عابت ، لم يضمن الموهوب له ، لان ذلك حدث في ملكه ، وفيه تردد.
اقول : منشؤه : النظر الى أصالة براءة ذمة الموهوب له ، ولانه حدث في
__________________
(١) المبسوط ٣ / ٣١٤.
(٢) سورة البقرة : ٢٨٠.
(٣) سورة النساء : ٩٢.