ويؤكد ذلك أيضا أنّه لو انقطع قدر كرّ من ماء البئر عن مادّته أو جفت مادة البئر وكان ما فيها من الماء مقدار الكر لم ينجّس بملاقاة النجاسة لاندراجه في الكثير الراكد وخروجه عن اسم البئر ، فلو كان مع الاتصال بالمادة متنجسا بالملاقاة لكان (١) وجود المادة قاضيا بضعفه وقبوله للانفعال.
وهو بعيد جدا بل لا وجه له إذ لو لم يكن وجود المادّة قاضيا بقوّة الماء لم يكن باعثا على ضعفه.
مضافا إلى أنّه صلىاللهعليهوآله كان يرد آبار المشركين ولم ينقل عنه الأمر بالرجوع (٢) من جهة ورودهم عليها ، بل كان صلىاللهعليهوآله في مكّة المشرفة يستعمل مياه آبارها مع شرك أهلها. وكذا يستعمل ماء زمزم مع مزاولة المشركين لها.
وكون نجاسة المشركين واردة في المدينة لا ينافيه ؛ إذ لا ينحصر نجاسة المشركين في كفرهم لمزاولتهم لسائر النجاسات إلّا أن يقال : إنّ شيئا من النجاسات لم يكن نجسة حينئذ ، وهو بعيد ، والظاهر فساده.
على أنّه لم ينقل عنه صلىاللهعليهوآله الأمر بتطهير آبار المشركين بعد ذلك ، ولا أمر بتطهير بئر زمزم بعد الفتح مع ورود نجاسة المشركين قبله على أنّ في القول بانفعال البئر بالملاقاة من الحرج والمشقة الشديدة ما لا يخفى إذا غلب المياه دورانا مياه الآبار سيّما في الحرمين الشريفين وما والغالب والاها عدم تحفّظها من ملاقاة النجاسات أو المتنجّسات.
وإلزام النزح منها دائما حرج عظيم لا يناسب الشريعة السمحة السهلة.
مضافا إلى أنها لو تنجّست بمجرد الملاقاة لورد في الشريعة بيان لكيفيّة تطهيرها ، ولم نجد ذلك في شيء من الأخبار سوى ما ورد في أخبار المنزوحات بالنسبة إلى أمور مخصوصة عديدة وقع السؤال عنها ، وقد خلت معظم النجاسات والمتنجسات عن النص.
ولا وجه لإهمال الشارع بيان الحكم في مثل هذه المسألة العامّة البلوى الّتي يحتاج إليها
__________________
(١) في ( ج ) : « لمكان ».
(٢) في ( د ) : « النزح ».