وليس الحكم ببقائها من جهة الاستصحاب ؛ إذ المفروض حصول القطع به.
نعم ، لمّا كانت الطهارة بالنسبة إلى كلّ من الماءين معلومة وكانت النجاسة الواردة دائرة بينهما فقد طرى الشك في ارتفاع خصوص كلّ من الطهارتين بعد العلم بحصولها فيندرج بملاحظة ذلك في قاعدة الاستصحاب.
وأنت خبير بعدم ظهور اندراج هذه الصورة في الأخبار الدالّة على حجيّة الاستصحاب ؛ إذ الظاهر منها استصحاب حكم اليقين الحاصل وعدم نقضه بالشك في حصول الرافع ، لا مع اليقين بحصوله والشك في المتعيّن.
ومع الغضّ عن ذلك وتسليم إطلاق الأدلّة الدالّة عليه فلا ريب في ارتفاع أحد الاستصحابين ، وبعد القطع إجمالا بانتقاض أحد الاستصحابين لا يصحّ الاستدلال بأحدهما بخصوصه.
وهل ذلك إلّا كالاستدلال بأحد العمومين بعد العلم بتخصيص أحدهما إجمالا أو بأحد الآيتين مع العلم بنسخ أحدهما كذلك؟ ولا يظن أن أحدا يجوّزه ويصحّح الاستدلال به.
كيف وقد أجمعوا على عدم جواز الاحتجاج بالعام المخصّص بالمجمل مع أنّ قضية الأصل في كلّ واحد من الأفراد عدم إخراجه عن العموم سيّما إذا كان المخصّص مفصّلا. وكأنّ ما ذكرنا هو مقصود المحقق (١) حيث ذكر أنّ يقين الطهارة في كلّ منهما معارض بيقين النجاسة ، ولا رجحان فيتحقق المنع.
فما أورد عليه بعض المحققين من أن يقين الطهارة في كلّ واحد يعارضه الشك في النجاسة لا اليقين بها بيّن الاندفاع بما ذكرناه.
وما ذكره بعض المتأخرين ـ في الايراد على ما ذكره المحقق وما أورده المحقق المذكور من أنّ الاشتباه بين الإناءين قد يكون بعد العلم بالحال ، وقد يكون من أوّل الأمر ، فلا يتمّ الحجة في الثاني ولا الإيراد المذكور في الأوّل ـ غريب ؛ إذ مع الغضّ عن فساده بما عرفت لا وجه
__________________
(١) المعتبر ١ / ١٠٣.