ففي هذه الصور ، حيث تعتبر تلك الصفات الوراثية قضاء حتمياً وقدراً لازماً بالنسبة للطفل تقف التربية عن التأثير أيضاً .
ولأجل أن نلفت أذهان المستمعين الكرام إلى هذه الحقيقة بصورة أوضح لا بد من البحث بصورة موجزة عن القضاء والقدر والمصير ، ثم ندخل إلى صلب الموضوع.فهناك الكثيرون ممن يؤدي بهم الجحود أو الجهل إلى أن ينكروا تأثير القضاء والقدر إنكاراً تاماً زاعمين إنهما أمران وهميان لا أكثر . كما أن هناك طائفة أُخرى في قبال هذه الطائفة تخضع جميع الوقائع والأحداث ـ جهلاً بحقائق الدين والعلم ـ إلى القضاء والقدر الحتميين ، ويرون أن البشر عاجز عن مقابلتها أو حفظ نفسه عنها . ولكن الواقع أن العالم كله يدور على أساس القضاء والقدر وعلى أساس مقاييس وقوانين دقيقة.
يقول الله تعالى في القرآن الحكيم : ( إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ) (١) فأصغر الذرات الأرضية وأكبر الأجرام السماوية قد خلقت كلها على أساس مقياس دقيق وتقدير صحيح ، كلٌ قد انتظم في مكانه الخاص به . . . وهذا هو معنى القدر . إن عالماً فلكياً يستفيد من هذا التقدير العظيم والحساب الدقيق فيتوصل بمحاسباته الرياضية إلى التنبؤ عن وقت خسوف القمر ومدة الخسوف ومقداره قبل أشهر عديدة . فإذا لم تكن وضع الشمس وحركة القمر على أساس نظام متين ثابت لا يتغيَّر ، فأنه يستحيل على الفلكي أن يصل إلى هذا التنبؤ . وبهذا الصدد يتحدث القران الكريم عن حركة الشمس والقمر فيقول : ( الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ ) (٢) .
وهكذا ، فإذا وجدنا الفضاء الفسيح بأجرامه العظيمة منظماً وثابتاً ، وإذا كانت قطعة من الحجر تنسحب من الفضاء إلى المركز بفعل جاذبية الأرض ، وإذا خرجت البذرة من تحت سطح الأرض بصورة نبتة ، وإذا وجدنا النطفة تنمو
____________________
(١) سورة القمر ؛ الآية : ٤٩ .
(٢) سورة الرحمٰن ؛ الآية : ٥ .