قضاءان : الأول صدور التكلم من اللسان بالتقدير الإِلهي . والثاني إختيارية التكلم ، وإراديته أيضاً بالتقدير الإِلهي .
ومن هنا يتضح جلياً أن القضاء والقدر قد يجريان بصورة جبرية . وأحياناً يقع القضاء الحتمي بواسطة قدر إختياري لنا . فمثلاً نجد أن الموت أمر مسلم وحتمي على جميع البشر بحكم القضاء الإِلهي ، وهو صريح قوله تعالى : ( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ) . ولكن هذا القضاء الحتمي قد يتم بنحو الموت الطبيعي وانقطاع النشاط الحيوي . كما يمكن أن يتم بإرادة واختيار من قبل شاب يملك من القوة وسلامة البدن ما تجعل باستطاعته أن يعيش سنين طوالاً فيقدم على الإِنتحار .
وهكذا فالشيخ الذي عمَّر مائة سنة حتى مات حتف أنفه ، والشاب الذي لم يعش أكثر من عشرين سنة حتى انتحر بإرادته وإختياره متساويان في أنهما ماتا بقضاء الله وقدره ، مع فارق واحد وهو إنه في الصورة الأولى كان القضاء والقدر حتميين غير إختياريين ، بينما في الصورة الثانية إستغل الشاب حرية الاختيار بالنسبة إلى القضاء والقدر وأنهى بذلك حياته .
وعلى هذا يجب أن لا نستغرب من قول الراوي عن الرضا عليهالسلام حيث يقول : « سمعت الرضا عليهالسلام يقول : كان علي بن الحسين عليهالسلام إذا ناجى ربه قال : اللهم إني قويت على معاصيك بنعمك » (١) . ومعنى هذه الرواية أن الذي يقدم على المعصية إنما يستغل نعمة الحرية والإِختيار التي وهبها الله له بالقضاء والقدر إستغلالاً سيئاً ، فيصاب بالإِنحراف .
النقطة التي تزلّ عليها الأقدام ـ غالباً ـ هي أن الناس متى سمعوا إسم القضاء والقدر ظنوا أنه حتمي وجبري . في حين أن الحق ليس كذلك ، فقد يتمثل القضاء والقدر الإِلهي في اختيار الناس وإرادتهم وهناك حديث عن الإِمام علي بن أبي طالب عليهالسلام يؤيد هذا الموضوع بوضوح .
____________________
(١) بحار الأنوار للمجلسي ج ٣ ص ٣ .