اخترت الهبوط على السلم فالمقدر لك أن تبقى حياً . وعلى كلتا الصورتين تجري القضية بموجب القضاء والقدر .
ومن خلال الحديث الثاني ، نتبين حرية الإِرادة الإِنسانية ، بالرغم من جريان القضاء والقدر على جميع الأمور ، لأن للإِنسان تمام الاختيار في سلوك الطريق المؤدي إلى الخير أو الشر . فإن سلك أحدهما وصل إلى النتيجة بلا شك ـ :
« عن ابن نباتة قال : إن أمير المؤمنين عدل من عند حائط مائل إلى حائط آخر . فقيل له يا أمير المؤمنين تفرّ من قضاء الله ؟ قال : أفرّ من قضاء الله إلى قدر الله عز وجل » (١) .
إن أهمَّ ما يمتاز به الإِنسان على غيره من الموجودات على وجه الأرض هو حريته التي وهبها الله تعالى إياه . فجميع الترقيات وأوجه التكامل التي حصل عليها البشر لحد الآن ترجع إلى هذه الميزة . تمر قرون مديدة على النحلة ولا تزال تبني بيتها على شكل سداسي وستستمر تبني بيتها على هذا الشكل في القرون المقبلة ، لأنها مجبرة في هذا العمل ولا تملك عقلاً أو تفكيراً . تقودها غريزتها التي أودعها الله تعالى فيها . ولكن الإِنسان الحر لا يزال يتكيف لبيئته وظروف حياته ، فقد انتقل من سكنى الكهوف إلى تكوين الأكواخ ، ومنها إلى إنشاء القصور الضخمة التي نراها اليوم . ومن المؤمل أن نفصل القول حول الحرية البشرية والاختيار الفطري للإِنسان في محاضرة خاصة إن شاء الله .
إن جانباً من القضاء والقدر يرجع إلى إرادتنا واختيارنا . وإن الرسالات السماوية تدور حول أفعالنا الإِرادية . ولهذا فإن الثواب والعقاب من قبل الله
____________________
(١) بحار الأنوار ج ٣ ص ٣٣ .