الطبيعة العمياء ، وعلى نحو الصدفة التي لا تعي ولا تشعر . إن الذات التي تتمثل فيها القدرة الكاملة والعلم المحيط والإِرادة التامة التي أوجدت هذا الكون بحسب نظام دقيق منحصرة في الله تعالى .
يتقدم الإِنسان دوماً نحو الرقي والتكامل . . . كثير من الحقائق كان يجهلها الناس أمس الأول وكُشف الحجاب عنها أمس ، وقسم من الحقائق كانت مجهولة أمس ، وإذا بالعلم يكشف عن أسرارها اليوم . . . وهكذا فإن هناك كثيراً من الحقائق يجهلها العالم اليوم ، ولكنها ستنكشف لعالم الغد . وعلى مرّ الأيام كلما إنكشفت زاوية مجهولة في هذا الكون الفسيح ورفع النقاب عن سر مكنون . . . إطلع العالم على النظام الحكيم الذي أودعه الله ، فيقف إجلالاً ويركع خضوعاً وخشوعاً حيال عظمته وحكمته .
وحين كان موسى يتكلم مع فرعون حول توحيد الله . . . وحين نزل حديث موسى بن عمران بصورة آية من القرآن على نبينا العظيم ، كانت معلومات البشر عن نظام الخلقة ، وأسرارها العجيبة محدودة وضئيلة جداً ولم يكن الناس ليتوصلوا إلا إلى ما تراه عيونهم المجردة القاصرة غافلين كل الغفلة عن أن الحقائق التي لا تدرك بالعين المجردة ، والأمواج التي لا تسمع بالأذن العادية أكثر بكثير من المبصرات والمسموعات العادية للبشر . لكن أئمة الإِسلام الهداة ، والقادة المعصومين الذين كانوا ينظرون بنور الوحي والإِلهام وبعين الحقيقة والواقع التي لا تحجبها الأستار المادية ، كانوا على علم بجميع تلك الحقائق .
يذكر الإِمام علي عليهالسلام هذه الحقيقة في خطبة من خطبه ، ضمن حمد الله والثناء عليه قائلاً : « وما الذي نرى من خلقك ، ونعجب له من قدرتك ، ونَصِفه من عظيم سلطانك ؟ وما يغيب عنا منه وقصرت أبصارنا عنه ، وانتهت عقولنا دونه ، وحالت سواتر الغيوب بيننا وبينه . . . أعظم » (١) .
____________________
(١) شرح نهج البلاغة لملا فتح الله ص ٢٧٦ .