لم يكن ليعرف الإِنسان قبل أربعة عشر قرناً شيئاً عن العالم المحير والعجيب للموجوادات المجهرية ، ولم يكن بالإِمكان للعلماء في عصر نزول القرآن أن يؤمنوا أن في القطرة الواحدة من نطفة الرجل تسبح ملايين الموجودات الحية . . . ولكننا نجد في ذلك العصر حينما يسأل ( الفتح بن يزيد الجرجاني ) من الإِمام الرضا عليهالسلام عن سبب تسمية الله باللطيف يقول الإِمام في جوابه : « للخلق اللطيف ، ولعلمه بالشيء اللطيف . . . ومن الخلق اللطيف ، ومن الحيوان الصغار ومن البعوض والجرجس وما هو أصغر منها ، ما لا يكاد تستبينه العيون بل لا يكاد يستبان ـ لصغره ـ الذكر من الأُنثى ، والحدث المولود من القديم » (١) .
هذا الحديث يرينا أن الإِمام الرضا عليهالسلام كان مطلعاً في ذلك الزمان على وجود الحيوانات المجهرية ، ولذلك فهو يذكر السبب في تسمية الله باللطيف ، خلقه تعالى للأشياء الدقيقة الصغيرة بنظام متقن وإبداع عجيب ، حيث أنها لصغرها لا يمكن أن ترى بالعين المجردة .
وفي تلك الأيام التي كانت معلومات علماء البشر محدودة وكانوا لا يعرفون الكثير من الحقائق المكتشفة اليوم لعدم حصولهم على الوسائل والآلات العليمة . . . وفي تلك الأيام بالذات ظهر القرآن الكريم ببشارة سعيدة للبشرية ، وبعث في نفوس البشر الأمل الوطيد في وصولهم إلى حقائق خفية وأسرار مكنونة فقال : ( سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ) (٢) .
فتنطلق هذه البشارة باعثة الأمل في نفوس الباحثين ليعلموا أن المستقبل
____________________
(١) الكافي للكليني ج ١ ص ١١٩ .
(٢) سورة السجدة ؛ الآية : ٥٣ .