والمدنية الحديثة قد سدت على الناس أبصارهم ومسامعهم وصورت لهم أن معنى ( الإِنسانية ) ليس إلا العمل على إيجاد حياة أفضل ، والانتفاع من اللذة أكثر وكأن ليس للإِنسان هدف غير ذاك ، فالكل يفكرون في كيفية الحصول على مسكن أحسن ، ومركب أجمل ، ومقام أرفع ، ويجدّون في أن يعرفوا أي السبل تدرّ عليهم ثروة أكثر كي يتمكنوا من ممارسة شهواتهم بصورة أوسع . . .
وتسعى شركات الأفلام السينمائية دوماً في سبيل إخراج أفلام أكثر تهييجاً ، ورقصات أشد إثارة ، لتتمكن من إرضاء شهوات الناس إلى أبعد مدى ممكن وبذلك لتحصل على أرباح أكثر . . .
واجتماعات المساجد والكنائس آخذة في الضعف والتأخر . أما حانات الخمور ودور السينما والمراقص والملاهي فأنها مليئة بالحاضرين ومكتظة بالشباب . . .
الرجل الثري يُحترم ويعتنى به عناية بالغة لثروته ، أما الفرد المؤمن التقي الذي يعتبر ثروته الإِيمان والفضيلة ، فلا يملك واحداً بالمائة من إحترام ذلك الرجل .
إن نجمة سينمائية تمكنت ـ بخروجها بجسد نصف عريان وإتيانها حركات مهيجة ـ من إرضاء ميول المتفرجين وعندما دخلت بلدة أخذ الآلاف من الناس يتنافسون في الخروج لاستقبالها معتبرين النظر إليها فوزاً عظيماً وسعادة كبرى ، ولكن إذا دخل عالم في الأخلاق والتربية أو رجل مؤمن ورع يكون كلامه وأفعاله قدوة للعفة والصلاح إلى تلك البلدة فلا يخرج لاستقباله سوى أفراد قليلين يعدون بالأصابع . . .
ومحنة الكتب أشد ، فالكتب التربوية المفيدة والعلمية الصالحة لا تلقى إقبالاً من القراء ، بينما نجد أن القصص المهيجة والأشعار المغرية تنفد في فترة قصيرة ويعاد طبعها عدة مرات .