لقد رأينا كيف أن الحيوانات تدرك الواقعيات المرتبطة بها عن طريق الغرائز التي تمثل الهداية الفطرية لله تعالى إياها ، لكن الإِنسان لا يستطيع أن يدرك الواقعيات التي توصله إلى السعادة عن طريق العقل دائماً ، بل عليه أن يعتمد على الهداية التشريعية ـ التي تتمثل في تعاليم الأنبياء ـ ليتمكن من إدراك الطريق المستقيم والمنهج الحقيقي للسعادة . . .
هذا هو أول أوجه الفرق بين العقل والغريزة ! .
٢ ـ أما النقطة الثانية التي يختلف فيها العقل عن الغريزة فهي أن الغريزة تعمل بصورة جبرية ولا يملك صاحب الغريزة في الأفعال الغريزية أية إرادة أو إختيار ، فالنحلة مجبرة على أن تبني بيتها بشكل سداسي ، مستخدمة في ذلك الشمع كمادة إنشائية . ولا يحق لها أن تحدث أي تغيير في هذا العمل كما نجد أن الإِنسان ـ بحكم غريزته ـ يبلغ في وقت معين وتبدو الرغبة الجنسية فيه من دون إرادته وإختياره . . . لكن الأحكام العقلية تجري بإرادة الإِنسان وإختياره ، وهو حر في تنفيذ أوامر العقل أو عصيانها . وهذه الحرية هي أعظم مائز للبشر بالنسبة إلى جميع الموجودات في عالم الأحياء .
إن القرآن الكريم يشير إلى حرية الإِنسان في مواضع عديدة ويعتبرها من الودائع الفطرية في بناء الإِنسان . وهنا لا بأس من الإِستشهاد ببعض تلك الآيات في ضمن الفقرات التالية : ـ
يقول تعالى : ( إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ . . . ) (١) .
أي أننا خلقنا الإِنسان من نطفة خليطة من الرجل والمرأة ، ثم نمتحنه . . .
____________________
(١) سورة الدهر ؛ الآية : ٢ .