والإِنسان يتنعم من فيض الإِلهام الإِلهي ، فقد ألهمه الله الخير والشر . . . ( فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ) ولكنه على العكس من النحلة حر في تنفيذ الإِلهام الإِلهي والجري على طبقة . فله الحرية الكاملة في أن يتبع قوانين الله وأحكامه فينال بذلك السعادة والكمال ، أو يتخلف عنها فيقع في ورطة الشقاء والفساد : ( قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا ، وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا ) (٢) .
إن جميع الموجودات الأرضية والسماوية تقف ـ بحكم قانون الفطرة ـ وقفة الخضوع والعبودية أمام خالقها العظيم ، ولا يتخلف أحد منها عن هذا الواجب التكويني ، ولكن بعض أفراد البشر نجدهم يخرجون ـ بسوء إختيارهم وإساءة التصرف إلى حريتهم ـ عن هذا الواجب . . . فالبعض يؤدون هذا الواجب وهو الخضوع أمام خالقهم العظيم بحرية ، وآخرون يخرجون عليه بحرية أيضاً . ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ ، وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ ، وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ ) (٣) .
فنجد تعبير القرآن الكريم هنا حيث يتحدث عن الموجودات الأرضية والسماوية وجميع ما في الطبيعة من نبات وجماد وحيوان يقول بأنهم جميعاً يسجدون لله ، لكنه حين يصل إلى الإِنسان فيقول إن كثيراً منهم يسجد وطائفة كثيرة أيضاً تستحق العذاب . . . .
للإِمام موسى بن جعفر عليهالسلام حديث طويل حول العقل والعاقل مع هشام ابن الحكم ، وأول فضيلة يذكرها للإِنسان العاقل ، عبارة عن حريته وحسن إختياره . فهو يقول : « يا هشام : إن الله تبارك وتعالى بشر أهل العقل والفهم في
____________________
(١) سورة الشمس ؛ الآية : ٨ .
(٢) سورة الشمس ؛ الآية : ٩ .
(٣) سورة الحج ؛ الآية : ١٨ .