العيش والمعلومات الحياتية عن طريق الغريزة التي هي من نعم الله عليها بصورة تلقائية ولا تحتاج في ذلك إلى تعلم أو تربية . فالحيوان يحتاج إلى أُمه أياماً قليلة ليأخذ منها الغذاء المناسب وتشملها الرعاية اللازمة كي يخوض معركة الحياة بعد ذلك . . . أما أطفال الإِنسان فأنهم يجب أن يتلقوا من أمهاتهم بالإِضافة إلى التغذية والصحة ، مناهج مفصلة عن الحياة وفي الواقع إن الأطفال يتلقون من أُمهاتهم غذاءين : الغذاء المادي والغذاء الروحي . إن حجر الأم مضافاً إلى قيامه بالتغذية الجسدية ، يعتبر مدرسة لتربية الطفل وإن فترة هذه المدرسة طويلة . فما لم يتخرج الطفل من هذه المدرسة لا يزال طفلاً ، وهو يحتاج إلى الأم ، ولا يليق للإِنطلاق في الحياة .
كما أن جسم الطفل يحتاج إلى غذاء ، فإن روحه أيضاً تحتاج إلى غذاء . إن النمو الطبيعي والاعتيادي لجسم الطفل يكون نتيجة التغذية السليمة ، والنمو الكامل لروح الطفل يخضع أيضاً لأسلوب التغذية التربوية الصحيحة والتنمية النفسية السليمة . يقول القرآن الكريم : ( فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَىٰ طَعَامِهِ ) .
بديهي أن الإِنسان يجب أن يهتم بطعامه وينظر إليه بعين الدقة والبصيرة والظاهر أن المراد من الطعام هنا هو المواد النباتية التي يتغذى منها الإِنسان بقرينة الآيات اللاحقة التي تتحدث حول نزول المطر ، وإخضرار الأعشاب ونمو الأشجار المثمرة . إن التفكر في المواد الغذائية والدقائق الموجودة في عالم النبات والحيوان يدفع الإِنسان إلى الإيمان بالله والمعاد ، كما أنها تعتبر من زاوية العلوم الطبيعية مجالاً واسعاً للبحوث العلمية والاستنتاجات المفيدة منها. لكن الإِمام الباقر والإِمام الصادق يفسران الطعام في هذه الآية بالعلم :
١ ـ « عن أبي جعفر في قوله تعالى : ( فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَىٰ طَعَامِهِ ) قال : علمه الذي يأخذه ، عمن يأخذه فلينظر الإِنسان إلى طعامه » (١) .
٢ ـ « عن أبي عبد الله في قوله تعالى ( فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَىٰ طَعَامِهِ )
____________________
(١) تفسير البرهان ص ١١٧٣ .