قلت : ما طعامه ؟ قال : علمه الذي يأخذه ، عمن يأخذه » (١) .
بالإِضافة إلى الحديثين السابقين نجد الأئمة يعبّرون في موارد أُخرى عن التعاليم الروحية بـ ( الغذاء ) أو ( الطعام ) ، ويعتبرون التعلم غذاء للروح . وسيكون بحثنا معتمداً على هذين الحديثين لننطلق منهما إلى التعليم والتربية على أساس هذه التعبير ، أي باعتباره غذاء روحياً .
وعلى الرغم من أنه يمكن عقد المقارنه بين غذاء الروح والجسد من عدة جوانب والاستفادة من هذا التشبيه لأغراض مختلفة ، لكن بحثنا هذا سيدور حول نقطتين : الأولى : نظافة الغذاء وسلامته الثانية : كون الغذاء جامعاً ، وكاملاً . وقبل الخوض في الحديث لا بأس بتقديم مقدمة في أهمية الغذاء للجسد والروح ، ومجاري تغذية كل منهما .
يحتاج الإِنسان كسائر الأحياء إلى الغذاء ، فبالغذاء يستطيع أن يستمر في حياته ، وإذا لم يتناول طعاماً فأنه يموت . إن جميع الشهوات والميول الإِنسانية التي هي مصدر النشاطات المختلفة تستيقظ بعد تناول الطعام وتدفع الإِنسان إلى الحركة والعمل والسعي . وفي العصور المظلمة كان بعض الناس يتوهمون أن الأنبياء لا يحتاجون إلى الطعام لمنزلتهم السامية ، ولذلك فقد جاء القرآن الكريم مفنداً هذه النظرة بصراحة : ( وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَّا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ ) (٢) .
الجوع من أخطر حالات الإِنسان وأدقها تأثيراً ، حتى كأن الجائع ينسى دينه وإيمانه ، ويغفل عن الحنان والعاطفة ، ومن أجل أن يملأ بطنه ينقلب إلى حيوان مفترس .
لقد حدث في البصرة في القرن الثالث من الهجرة إنقلاب عظيم . فقد
____________________
(١) نفس المصدر ص ١١٧٣ .
(٢) سورة لقمان ؛ الآية : ٨ .