تجارية قبل أن تكون مركزاً ثقافياً وتربوياً ، فإن مؤسسي رياض الأطفال يهدفون في الدرجة الأولى إلى الحصول على مال من وراء الأجور الشهرية للأطفال ؛ ويهتمون بالتربية في الدرجة الثانية ، مع أن التربية أيضاً سطحية وبسيطة . إن الآباء والأمهات الذين لا يملكون هدفاً بغير التربية يجدون لذتهم في أن يربوا أولادهم تربية صحيحة ويجعلوهم أفراداً جديرين أكفاء في المجتمع ، وإن مركز هذا النشاط هو الأسرة فقط .
ثم إن الميزة الأُخرى التي تضفي أهمية كبيرة على قيمة الأسرة هي إحياء الخصائص الفردية . فالأفراد ليسوا متفاوتين فيما بينهم من ناحية المنظر والبناء الخارجي فقط ، بل يختلفون من حيث معنوياتهم ونفسياتهم أيضاً . وهذا نفسه أحد مظاهر القدرة الإِلهية . . . « ما لكم لا ترجون لله وقاراً ، وقد خلقكم أطواراً » .
قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : « الناس معادن ، كمعادن الذهب والفضة » (١) .
وهكذا نجد أن بعض الأطفال يولدون مع صفات وخصائص معينة لا توجد عند الأفراد الإِعتياديين . فربما يوجد العقل والإِدراك والذكاء والفطنة ، الحافظة وسرعة الإِنتقال ، الشهامة والسيطرة على النفس وقسم آخر من الصفات في بعض الأفراد بصورة أكثر من المعتاد . ويختلف العظماء والنوابغ في العالم من حيث البناء الطبيعي عن بقية الأفراد . وإن النجاح الذي أحرزه كل منهم في ميدانه في أثناء حياته يعزى إلى الدقة المعمولة في خلقهم وبنائهم . وعلى سبيل الشاهد ننقل قصة أبي زكريا التبريزي تلميذ أبي العلاء المعري وقد تلمذ على يده سنوات عديدة . ولما كان أبو العلاء مكفوف البصر فلقد كان لا يستطيع القراءة . وفي أحد الأيام كان أبو زكريا يقرأ لأبي العلاء كتاباً له في مسجد المعرة وفي الأثناء حضر مسافر من تبريز إلى الجامع ليصلي ، فسر أبو زكريا لرؤيته كثيراً وتوقف عن قراءة الكتاب لعدة لحظات فسأله الأستاذ عن
____________________
(١) البحار ج ١٤ ص ٤٠٥ .