السبب ، فأخبره بمجيىء صاحبه . فأمره أبو العلاء بأن يذهب إليه ويتحدث معه فقال له : أمهلني أكمل الصفحة ، فقال : لا وسأنتظرك حتى تنهي حديثك . فجلس أبو زكريا مع صاحبه على بعد خطوات من أبي العلاء وأخذ يتحدث معه باللغة المحلية ويسأله عن بعض القضايا فيجيبه . وعندما رجع إلى أُستاذه سأله : أي لغة هذه ؟ قال : لغة آذربايجان ! فقال : إني لم أفهم ما تداول بينكما من حديث ، ولكني حفظت ما قلتماه ، وأعاد جميع الألفاظ بلا زيادة أو نقصان . فتعجب صاحب أبي زكريا من حافظة أُستاذه بشدة ، وكيف أنه حفظ تلك الألفاظ بسرعة دون أن يفهم معانيها (١) .
لقد وجد على مر القرون المتصرمة نوابغ عظماء لا يقاسون مع سائر الأفراد من حيث إدراك الحقائق العلمية ، والذكاء ، الخارق . وإن الترقيات التي نالت البشر في الحياة المادية مدينة إلى مواهب هؤلاء الرجال البارزين فهم الذين أدركوا الحقائق العلمية بفضل مواهبهم الخاصة ، وقادوا ركب الإِنسانية إلى الإِمام .
|
« إننا نختار من بين الملايين أفراداً معدودين في تلك الدولة حيث خدموا التقدم العام ، واستطاعوا بفضل مواهبهم أو دهائهم أن يجعلوا لأنفسهم فوق مستوى الآخرين ، وأن يكونوا قائدي زمام التمدن » . « إننا نلاحظ الإِنسانية على أنها مجموعة حية في حالة دائمة من التغيّر والذكاء ، ونعلم أن تطورات هذه المجموعة تبدأ بواسطة أُناس نادرين ومتفردين في الغالب ! » . « هذه الأدمغة
البارزة هي مركز الأمواج التي تشبه الأمواج الحادثة عند سقوط قطعة من الحجر في الماء . هؤلاء يمكن أن يوجدوا في |
____________________
(١) ينقل القصة بكاملها صاحب ( قاموس دهخدا ) الفارسي عند ترجمة ( أبي العلاء المعري ) ص ٦٣٦ .