ومن هذه المقارنة بين صنع الله وصنع الإِنسان نصل إلى بعض النكات التي تتعلق بموضوع بحثنا وهي : ـ
يدرك الإِنسان بصورة فطرية أن لكل مصنوع صانعاً ، كما يدرك كل فرد ـ مثقفاً كان أو أمياً ، وحشياً أو متمدناً ـ إن للطائرة والسيارة صانعاً صنعهما ، وإن للعمارات الصغيرة والضخمة بانياً بناها ، ولقد كانت القبائل الوحشية تدرك هذا الموضوع أيضاً ، فعندما كان أحد يرى آثار أقدام إنسان أو حيوان في صحراء واسعة مغطاة بالثلوج ، كان يقطع بأن إنسان أو حيوان قد عبر من تلك المنطقة . وإذا صادف كوخاً صغيراً وسط صحراء قاحلة قائماً على بعض قطع الأخشاب والأشواك كان يحكم بوجود صانع لذلك الكوخ ، وبالنسبة إلى الكون الذي هو صنع الله تعالى يوجد في فطرة كل إنسان هذا النوع من الإِدراك . فعندما يشاهد شروق الشمس والقمر وغروبهما ، وعندما يرى الربيع واخضرار الأشجار أو الخريف واصفرار أوراقها ، وعندما يلتفت إلى الرعد والبرق والمطر يحس في وجدانه الباطني أن قوة عظيمة وثابتة هي التي أوجدت هذا النظام فيميل إلى البحث عن مصدر هذه القوة . هذا الإِدراك الطبيعي الموجود في باطن جميع الأفراد بقلم القضاء الإِلهي هو تلك المعرفة الفطرية التي يعبر عنها الإِمام عليهالسلام بأنها ليست إكتسابية وأنها مخلوقة من قبل الله في باطن كل فرد .
إن كل فرد يدرك بفطرته أن للطائرة النفاثة صانعاً ، وكل فرد يدرك بصورة طبيعية أن للقاح الخناق الذي يخلص آلاف الأطفال من الموت الحتمي مخترعاً ، ولكن هذا لا يكفي في نظر جميع العقلاء والعلماء في الإِشادة بفضل مهندس مخترع أو طبيب مكتشف . فلو أرادت دولة أو أمة أن تحترم جهود هؤلاء الذين خدموا البشرية يجب عليهم أن يتجاوزوا دور المعرفة الجزئية إلى مرحلة أرقىٰ ، وهي ذكر أسماء المخترعين وهوياتهم وتشجيعهم عن طريق تقديم الهدايا والجوائز إليهم.