إن موقف البشر تجاه صنع الله تعالى وتجاه عظمته في تدبير شؤون الكون يشبه الموقف السابق . فجميع الناس يستفيدون من نعمه التي لا تعد ولا تحصىٰ كل يوم ، وكلهم يدركون أن لهذا الخلق خالقاً ، ولكل مصنوع صانعاً فبعضهم يقدرون عظمة الخالق ويشكرونه على نعمه ولكن البعض الآخر يتنكرون له ولا يعترفون له بالجميل والفضل والأنعام . . .
العالم الإِلهي والعالم المادي كلاهما يلاحظان النظام الدقيق في الكون وكلاهما يدركان أسرار الحكمة والعظمة في العالم . . . مع فارق كبير بينهما هو أن العالم المادي يرى النظام فقط ، أما العالم الإِلهي فأنه يرى النظام والمنظم معاً ـ. وفي نفس الوقت الذي يهتم فيه بدقائق صنعه ، وشواهد عظمته يتجه إلى عظمة الخالق ويقف خاضعاً تجاه مقامه المنيع مقدماً مراسيم الشكر والثناء والاعتراف بالجميل .
لنفرض أنه يوجد في مخزن ما مليونا طن من الأحجار والطابوق والأسمنت والحديد والجص والأخشاب والزجاج واللوالب والمقابض والأسلاك والأنابيب وغير ذلك من المواد الإِنشائية . وكان مليون طن من هذه المواد تحت إختيار مهندس معمار ، فإنه يخرج تلك الكمية من المخزن وينشىء على أرض مسطحة عمارة ذات ثلاث طوابق . . . وبعد مدة يأتي سيل جارف ويخرج المليون طن من المواد الإِنشائية . الباقية في المخزن إلى الخارج ويكومها على بعد بضع كيلومترات مكوناً تلاً من ذلك الخليط . العمارة ذات الثلاث طوابق إنما هي إنتاج ذلك المهندس القدير ، والتل المتراكم عمل طبيعي للسيل .
إن العقلاء من كل أُمة وفي أي عصر حينما يدخلون
العمارة التي أنشأها المهندس يجدون أن كل شيء قد وضع في محله حسب نظام دقيق ومحاسبة أساسية : فالطابوق في داخل البناء والرخام فوقه والأعمدة الحديدية ذات القياسات الخاصة تحفظ السقف ، والأبواب مرتبة في أماكنها والأسلاك مربوطة بالأزرار والمصابيح الكهربائية ، وحنفيات الماء البارد والحار متصلة بالأنابيب