نقول لهم ، إن الإِعلان لم يترك أصغر الأثر في الإِنسانية لاستمرار جرائم القتل حتى بعد صدوره . ففي حالة السلم يُقتل يومياً مئات الأفراد في العالم لسبب الجنس والغضب والحسد ، وأما في حالة الحرب فلا تعدّ الضحايا ! ! .
فإن قالوا : إن أفراد البشر كانوا قبل صدور ذلك الإِعلان يقتل بعضهم بعضاً دون أي ثورة من الغرائز بل وفي الحالات الإِعتيادية وجاء الإِعلان ليمنع حدوث مثل تلك الجرائم . . . فبديهي أنهم خالفوا الواقع في ذلك . ذلك أن الكلاب ، الذئاب ، النمور وكذلك الطيور حين تصطرع فيما بينها فليس إلا بهيجان غريزة الجوع أو الجنس وما شاكل ذلك ، أما في الحالات الإِعتيادية فلا يزاحم بعضها بعضاً . اللهم إلا أن تدعي المدرسة الفرويدية أن الإِنسان أحط من الكلاب وأشد توحشاً من الذئاب . ونتيجة ذلك إن الذئاب لا تتنافس ولا تتزاحم في الحالات الطبيعية ، أما أفراد الإِنسان فانهم يقتل بعضهم بعضاً في الحالات الطبيعية وفي مثل هذه العبارات السخيفة فليحكم النقاد والباحثون ! .
لقد سبق أن قلنا : إن الوجدان الأخلاقي يدرك كثيراً من أمهات الفضائل والرذائل ، ولا ينحصر ذلك الإِدراك بقبح القتل ، الذي حللناه تحليلاً مفصلاً ، وتعرفنا فيه إلى عبارات فرويد ونظرياته وكنموذج آخر نستعرض قبح الخيانة في نظر الوجدان .
لنفرض طفلاً يملك تفاحة ، ويودع تفاحته عند آخر ليذهب إلى غسل يديه ويرجع . إنه يتوقع ـ طبيعياً ـ وينتظر ـ فطرياً ـ أن يسترجع أمانته . فإذا جاء ووجد أن الطفل الآخر قد أكل التفاحة فانه يتألم ويلومه ويدينه بفعل قبيح . وأما الطفل الذي أكل التفاحة فانه هو الآخر يحس بالتألم . ويضطرب ، يصفّر وجهه ، يحاول الفرار والإِبتعاد عن ساحة الخطيئة . وكذلك الأطفال المتفرجون فانهم يعتبرون هذا الفعل خطأ ، ويدركون بأن الذي أكل التفاحة قد ارتكب فعلاً قبيحاً ، هذا الإِحساس أو الشعور لا يرتبط بالتعليم والتربية وإنما هو إدراك ينبع من أعماق الفطرة وموجود عند جميع الأطفال .