أما فرويد فانه ينكر القبح الفطري للخيانة ، شأنه في سائر الأمور الفطرية الوجدانية ، ويعتقد أن الإِنسان الأول كان لا يفهم شيئاً من الحسنات والسيئات الخلقية . وهنا نجد من المناسب أن نرجع إلى القبيلة الوهمية التي تصورها فرويد لنجعل بحثنا يدور حولها .
إذا كان فرويد يدّعي أن أفراد القبيلة كانوا كقطيع من الأغنام لا يدركون معنى الأمانة أصلاً . فمن البديهي أن البحث عن قبح الخيانة يكون لغواً مع هذه الدعوى . إذ يجب أن لا نتحدث عن قبح الخيانة مع الأغنام التي لا تدرك الأمانة كي تدرك عكسها . ولكن المفروض أن فرويد لا يستطيع أن يدعي مثل ذلك ، لأنه قال عند التحدث عن أبناء القبيلة الذين قتلوا أباهم :
« ولم يكن مقدوراً لأحد الأولاد أن يحقق أمنيته ويستحل منزلة أبيه إذ أنه على ذلك كان يلاقي نفس مصير أبيه ».
يستفاد من هذه العبارة أن أفراد القبيلة الوهمية كانوا عقلاء مفكرين متعمقين إلى درجة أنهم كانوا يشاهدون الستار الذي يكمن وراء ستار الرئاسة ، وكانوا يعلمون أنهم بقبولهم الرئاسة سيلاقون نفس المصير المؤلم الذي لاقاه أبوهم من قبل ، وبديهي إن إدراكاً كهذا يكون نتيجة التعقل والتفكير ، ومن الواضح أن القبيلة الخيالية لم تكن تحت سيطرة حكومة الغرائز العمياء الصماء مثل الأغنام ، بل كانوا يدركون معنى الأمانة بكل وضوح .
لنفرض أن إحدى نساء القبيلة خرجت في الصباح إلى
الغابة واستطاعت بعد عناء شديد أن تنظف بعض الفواكه لطعامها وطعام أطفالها ، وقد جرحت بالأشواك . . . وفي أواخر النهار تحمل الفواكه إلى حيث تسكن القبيلة . وبما أن طفلها يضيع في أثناء الطريق ، فانها تودع الثمار عند أحد أفراد القبيلة الذي كان بالقرب من تلك المنطقة ، وتعود إلى الغابة للبحث عن طفلها ، وعندما ترجع تجد أن الشخص الذي أودعت الثمار عنده قد وزعها بين أفراد أسرته وأكلوها جميعاً . . . أليس هذا العمل مخالفاً لما كانت تتوقعه المرأة بفطرتها ؟ ألا تحس المرأة أن عملاً قبيحاً قد وقع ؟ . ألا يحق لها أن تصيح وتولول