هوة الشقاء والتعاسة أبداً ! وتكثر من الحديث عن أمثال هذه القضايا وتستشهد ضمناً بحياة بعض الفتيات ، ولكنه يوجد في باطن الفتاة ضمير مستتر آخر تكتمه عن كل أحد . ولكنها حين تختلي بنفسها أو تذهب إلى الفراش تتحدث إلى نفسها : ما أشأم ذلك اليوم ! لماذا ألقيت بنفسي في هذه المخاطر ؟ كيف أديت بنفسي إلى الشقاء والتهلكة كيف أعيش عمري وحيدة محرومة من لذة الحياة الزوجية ؟ تتحدث مع نفسها عن الماضي دائماً وتظهر الندم والأسف باستمرار ، وقد تهمي الدموع لذلك ! ! ! .
يوجد في باطن هذه الفتاة ضميران : أحدهما ظاهر . والآخر ضمير باطن . لقد رتبت الأحاديث في ضميرها الظاهر وأينما جلست تتحدث قائلة : لا أتزوج ، الرجال غير أوفياء ، لا يوجد رجل في مجتمعنا أصلاً ، لا أُسبب الشقاء لنفسي ، وما شاكل ذلك من الأحاديث . . أما في ضميرها الباطن فتوجد أشياء لا ترضىٰ بأن تخبر عنها أحداً . وهي المطلعة عليها فحسب . لماذا خرجت للنزهة ؟ لماذا عاشرت رفيق السوء ؟ لماذا أشقيت نفسي مدى العمر ؟ وما شاكل ذلك .
ولأجل ألا يطلع شخص على أسرار ضميرها الباطن ، فإن الفتاة تراقب حركاتها وألفاظها تماماً ، وتتكلم بكل حيطة وحذر ، وتنفر من الكلمات التي ترتبط بسرها ، وتحاول أن لا تستعملها في أحاديثها أصلاً ومثلاً على ذلك فانها تتألم وتتنفر من كلمات : السد ، كرج ، البحيرة ، المحركات ، الجسر ، البساتين ، وتتجنب ذكرها دائماً ، وعلى ما يقول علماء النفس فإن ضميرها الظاهر يضع ضميرها الباطن تحت رقابة شديدة .
تمر سنة أو سنتان على هذا الوضع ، ولكن القضية
تكسب لوناً جديداً بالتدريج . فمن جهة تصاب الفتاة ـ على أثر الضغط الروحي الدائم ، والألم الباطن ، والاضطراب والأرق ـ بالاضطراب الفكري ، والانزجار النفسي ، وتفقد طاقتها بالتدريج ، ومن جهة أُخرى فان والديها وأسرتها يرون هذا الوضع