هناك قوتان في طريق إرضاء الميول أو ضبطها وعدم الإِستجابة لها في باطن كل إنسان : إحداهما إيجابية ، والأُخرى سلبيية . أما القوة الإِيجابية فهدفها جلب اللذائذ وإرضاء الغرائز فقط ، وتميل إلى إشباع جميع الميول الطبيعية بدون قيد وشرط وأن تحقق جميع الرغبات . هذه القوة لا تفهم الخير والشر ، أو الصالح والفاسد ، إنها تنادي باللذة فقط وليس لها هدف غير ذلك . ولقد عبّر القرآن الكريم عن هذه القوة الباطنية بـ ( النفس الأمارة ) . . حيث يقول عزّ من قائل : ( إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ ) (١) .
وأما القوة السلبية في باطن الإِنسان ، فهي تتمثل في القوة التي تمنع الإِنسان في جلب اللذائذ عن إرتكاب الجرائم والوقوع في الدنس ، وتلطف من حدة الميول ، وتلجم النفس الأمارة الشَّموس . إنها تسمح بإرضاء الغرائز والإِستجابة للميول بالمقدار الذي لا يتصادم مع المقررات العقلية والعرفية والشرعية ، أما ما عدا ذلك فانها لا تسمح به . ولقد عبر القرآن الكريم عن هذه القوة المعدلة للميول بـ ( النفس اللوامة ) . . . حيث يقول تعالى : ( لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ) (٢) .
مما لا شك فيه أن الحياة البشرية مدينة إلى الميول والغرائز التي أودعها الله تعالى في مزاج الإِنسان ، ذلك أن الغرائز والرغبات النفسانية هي القوة المحركة العظمىٰ التي تدبر دولب الحياة الإِنسانية ، ولا توجد أي قوة في الإِنسان تبعثه على النشاط والحيوية كالغرائز . ولكن النقطة الجديرة بالملاحظة والانتباه أن هذه الغرائز إذا نفذت واستجيب لها بالصورة الصحيحة وبالشكل المعقول فانها تبعث على الخير والسعادة ، أما إذا لم يلتزم العقل قيادتها وكان
____________________
(١) سورة يونس ؛ الآية : ٥٣ .
(٢) سورة القيامة ؛ الآيتان : ١ ـ ٢ .