يغفر الله الذنوب مهما كان عظيماً في ظروف مثل تلك ، وهذا هو معنى التوبة الحقيقية . فإذا أظهر شخص الإِستغفار بلسانه ولم يكن نادماً في قلبه على أعماله البذيئة ، فانه لم يتب توبة حقيقية ولا تطهر نفسه.
يقول الإِمام الرضا عليهالسلام بهذا الصدد : « من استغفر الله بلسانه ولم يندم بقلبه ، فقد استهزأ بنفسه » (١) .
إن المذنبين الذين يتوفقون للتوبة الحقيقية ويخلصون أنفسهم بذلك ـ وفي ظل العنايات الإِلٰهية ـ من دنس الذنوب ، يحزون على ضمائر هادئة وأرواح مطمئنة ، فلا يحسون بالحقارة والضعة في نفوسهم بعد ذلك ولا يسمعون تأنيباً من الضمير ، ويبلغ بهم التنزه عن الذنوب إلى درجة أنهم يصبحون كأن لم يقترفوا ذنباً أصلاً ، يقول الإِمام الصادق عليهالسلام « التائب من الذنب كمن لا ذنب له » (٢) .
* * *
لا بد من التنبيه إلى هذه النقطة ، وهي أن الشرط الأول للتوبة الحقيقية وغفران الذنب هو الإِيمان بالله . إن الذي لا يملك رصيداً قوياً من الإِيمان أو أنه مادي ومنكر لله أساساً ، لا يوفق لتطهير نفسه عن طريق التوبة وغفران الذنوب ، فهو يلاقي الجزاء الصارم من تأنيب الضمير وكابوس الوجدان حتى آخر عمره ، إن السبب في الإِختلالات الروحية أو الجنون الذي يحصل للبعض من جراء تعذيب الضمير إنما هو فقدان عنصر الإِيمان عندهم ، وعدم إحساسهم بوجود ملجأ معنوي . ولذلك فانهم لا يستطيعون حل العقدة النفسية المتفاقمة في نفوسهم عن طريق التوبة والإِستغفار . ولقد شاهدنا كثيراً من هؤلاء في عصرنا الحاضر ، كما أنهم كانوا موجودين في العصور السابقة أيضاً .
كيف يستطيع عمر بن سعد ( وهو الذي يظهر تزلزل العقيدة في كلماته ،
____________________
(١) مجموعة ورام ج ٢ ص ١١٠ .
(٢) سفينة البحار للقمي / مادة غفر ص ٣٢٢ .