والحكمة المتناهية ، فكل جزء من أجزاء الكون قد استقر في الموضع المخصص له حسب نظام دقيق وقياس كامل . وهذه الظاهرة بنفسها تعتبر في نظر العلماء سنداً ثابتاً ودليلاً متقناً على وجود المبدأ القادر للعالم . إن الصدفة ( التي يستند إليها الماديون في نظريتهم ) لا علم لها ، ولا قدرة ، ولا حافظة ، ولا وجدان . . . وهي تعجز عن أن توجد هذا النظام العجيب والمحير للعقول .
يشرح الإِمام الصادق عليهالسلام بعض آثار عظمة الله وقدرته في عالم المخلوقات لتلميذه المفضل الجعفي ، ويستدل بها على وجود الله تعالى ، وفي الأثناء يسأل المفضل من الإِمام عليهالسلام قائلاً : « يا مولاي ، إن قوماً يزعمون إن هذا من فعل الطبيعة . فقال : سلهم عن هذه الطبيعة ، أي شيء له علم وقدرة على مثل هذه الأفعال أم ليست كذلك ؟ فإن أوجبوا لها العلم والقدرة فما يمنعهم من إثبات الخالق ؟ فإن هذه صنعته . وإن زعموا أنها تفعل هذه الأفعال بغير علم ولا عمد ، وكان في أفعالها ما قد تراه من الصواب والحكمة فاعلم ان هذا الفعل للخالق الحكيم وان الذي سموه طبيعة هو سنة في خلقه الجارية على ما أجراها عليه » (١) .
إن النظام الدقيق والإِنسجام الشامل لإِرجاء الكون ، هو معلول القوانين والسنن المتينة للكون . وهذه النواميس والسنن الكونية تحكم جميع الموجودات ، فهناك القوانين الفلكية التي تنظم آلاف الملايين من الأجرام السماوية ، وتجعل كلاً منها في المدار الخاص به ، أما قوانين الحياة فهي تنظم عالم النباتات والحيوانات والبشر بالدقة المتناهية . لكن هذه القوانين لا تملك أقل إطلاع عن الأعمال العظيمة والمحيرة التي تقوم بها . إن مثل القوانين الطبيعية في النظام والترتيب والجهل بالنشاط الصادر منها مثل الآلة الحاسبة : ففي نفس الوقت الذي تؤدي الآلة الحاسبة عملها مجيبة على المسائل الرياضية لا تعرف شيئاً عن عملها ، إن الآلة الحاسبة لا تعرف أنها تشتغل في
____________________
(١) بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج ٢ ص ٢١ .