الحجاج بن يوسف ( المجرم المعروف ) إلى مكة ، وقتل في سبيل ذلك كثيراً من الناس في حرم الله ليقبض على عبد الله بن الزبير وأخيراً فقد حزّ رأسه وأرسله إلى عبد الملك في الشام وعلق جثته على عود المشنقة .
حينئذ يقول عبد الملك : إني كنت أتمانع من قتل نملة ضعيفة أما الآن فعندما يخبرني الحجاج عن قتل الناس لا أجد أي قلق أو تأثر في نفسي ! لقد قال أحد العلماء اسمه ( الزهري ) يوماً لعبد الملك : سمعت أنك تشرب الخمر ! فأجابه نعم والله ، أشرب الخمر وأشرب دماء الناس أيضاً (١) .
ما أكثر الناس من أمثال عبد الملك على مر التاريخ ، وحتى في عصرنا الحاضر ! إن الغالبية العظمى من الناس يتبعون ضمائرهم في الحالات الإِعتيادية ولكنهم عندما تثور غريزة من غرائزهم يسحقون الوجدان بأقدامهم ، ويطلقون العنان لميولهم النفسية ، إلا إذا استكانوا بالإِيمان وتسلحوا به ضد طغيان الغرائز ! . . . ( إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ ، إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ) (٢) .
والعقل هو الآخر عامل مهم في التلطيف من حدة الغرائز ، وتعديل الميول النفسانية ، فعندما يكون طغيان الغرائز خفيفاً يستطيع العقل إلى حد ما من تخفيف حدتها ، أما عندما يشتد هيجانها ، وتظهر الغرائز بصورة سيل عارم يقتلع كل ما يجد في طريقه فإن سد العقل يتحطم وبذلك يفقد العقل الإِنساني قدرته على المقاومة ، وتندفع نيران الرغبات النفسية كمخزن مشتعل من البارود ، وحينذاك يكون زمام الأمور بيد الشهوة ، تسيطر على الإِنسان وتوجهه كيف تشاء .
وعن أمثال هؤلاء الأفراد يتحدث الإِمام علي عليهالسلام فيقول : « قد أحرقت الشهوات عقله ، وأماتت قبله ، وأولهت عليها نفسه » (٣) .
____________________
(١) تتمة المنتهى ص ٨٤ .
(٢) سورة يوسف ؛ الآية : ٥٣ .
(٣) غرر الحكم ودرر الكلم للآمدي ص ٥٣٢ ط إيران .