يرى الناس أن المرض منحصر بالنوع الجسماني منه ، فالسيئات الخلقية والملكات الرذيلة لا يعتبرونها أمراضاً ، المصاب بالسل والسرطان يعتبر مريضاً ، أما الحسود والحقود فليس مريضاً عندهم ، إنهم يرون قرحة المعدة أو الأثنى عشر مرضاً ، ولكن الإِفساد في الأرض والأنانية لا يرونهما كذلك .
وهكذا نجد الرجال حين الإِقدام على الزواج يعطفون جل إهتمامهم على جمال الوجه والهندام وسلامة الجسد للمرأة ، من أن يسألوا عن صفاتها الخلقية وملكاتها المعنوية ، وكذلك نظرة النساء إلى الرجال . فقصر القامة أو الحول في العين يعتبر عيباً في الزواج . ولكن الأنانية وبذاءة الأخلاق لا تعد من العيوب عندهم . وعليه فمن البديهي أن السيئات الخلقية تنتشر بسرعة في ظرف كهذا ، ويزداد عدد المصابين بها يوماً بعد يوم .
وبما إن السجايا الخلقية من الأركان المهمة في موضوع تربية الطفل وهي في نفس الوقت مفيدة لجميع الطبقات ، نرى من الضروري أن نفصل القول فيها .
إن الإِنسان مركب من روح وجسد ، وكل منهما يؤثر في الآخر ، فكما أن الجهود الجسمانية تترك آثاراً عميقة في الروح الإِنسانية ، كذلك الأفكار والمعنويات فأنها تؤثر على بدنه ، وهذه القاعدة كانت من جملة المسلمات عند الفلاسفة والعلماء في القرون الماضية.
لنفرض إنساناً لا يملك أبسط المعلومات عن الخط أو الرسم ، ومع ذلك يأخذ القلم أو الفرشاة بيده ويتمرن أشهراً وسنين طوالاً وبالتدريج نجد أن روحه تقع تحت تأثير هذا التمرين الجسماني حتى يصير فن الخط أو الرسم في النهاية ملكة نفسانية له . وما هي إلا أيام حتى يكون في عداد خطاطي أو رسامي العالم . هذا تأثير الجسم في الروح .