ومتحيّر فيه ومخوف ومحزون وموجول من سطوته وقدرته ، فالهمزة فيه والواو المبدلة همزة أصليّتان.
وأمّا على اشتقاقه من ألِهَ بمعنى أقام فوزنه أيضاً ( فعال ) لكن من غير نقل إلى معنى ( مفعول ) ، وما ذكرناه هنا فهو قليلٌ من كثير ونقطة من غدير ، حرصاً على الاشتغال بما هو أهمّ ، ونفعه أتمّ وأعمّ.
ومن أراد استقصاء الكلام بإبرام النقض ونقض الإبرام في جميع مباحث هذه اللفظة الشريفة التي حارت في لفظها ومعناها الأفهام ، فليرجع إلى جواب تلك المسائل التي أشرنا إليها ، وإلى شرحنا على خطبة لأمير المؤمنين عليهالسلام ، بل قد عملنا فيها رسالةً في سالف الزمان سمّيناها ( شمس الدلالة في تحقيق الجلالة ). لكنّها لم تتمّ ونسأل الله التوفيق للإتمام.
و ( الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) صفتان مشبَّهتان من رَحِمَ كعلم ، بعد جعله لازماً بمنزلة الغرائز بنقله إلى فَعُلَ ككَرُمَ.
ولمّا كانت الرحمة في اللغة بمعنى رقّة في القلب (١) ، وانعطاف يقتضي الفضل والإنعام امتنع صدق حقيقتهما في حقّ الملك العلَّام ؛ لتنزّهه عن القلب ورقّته ، إذ هما من صفات الأجسام ، وإنّما يوصَفُ بهما باعتبار غايتهما التي هي فعل من الإحسان والإفضال ، لا باعتبار مبدئها الذي هو انفعال ، فيكون إمّا مجازاً مرسلاً من قبيل ذكر السبب وإرادة المسبّب ؛ لأنّ رقّة القلب سبب لإرسال شآبيب النوال ، وإمّا استعارة تمثيلية بتمثيل حال ذي الجلال بحال ملك قد عطف على رعيته فغمرهم معروفُه على الأزل ؛ ولهذا اشتهر : ( خذوا الغايات واحذفوا المبادئ ) (٢) على ألسنة العلماء الأبدال.
__________________
(١) لسان العرب ٥ : ١٧٣ رحم ، مجمع البحرين ٦ : ٦٩ رحم.
(٢) القواعد والفوائد ٢ : ١٦٧ ، كنز الدقائق ١ : ٣٩.