فلهذا وقعوا في إشكال التعارض ، واضطربوا في وجوه الجمع بينهما.
والذي يختلج في الفكر الكليل والفهم العليل بعد الإغماض عن سند حديث الحمدلة عدم التنافي بينهما ؛ لأنّ ظاهر الأمر بالابتداء فيهما تقديم البسملة والحمدلة على المقاصد الذاتيّة التي هي مسائل الفنّ المشروع فيه ، من غير تعرّض لتقديم أحدهما على الآخر ، وإنّما قُدِّمت البسملة للاهتمام أو الاقتداء بخير الكلام كلام الملك العلّام ، أو لقصرها واستدعاء الحمد غالباً طول الكلام وإرخاء الزمام.
اللهم إلّا أنْ يقال : إنَّ المتبادر من الابتداء فيهما هو الابتداء الحقيقي دون أخويه ، فتأمّل فيه.
ولك أنْ تحمل الخبرين على منع الخلوّ من أحدهما ، فلا يلزم الجمع بينهما ، وإنَّما يجمع بينهما جمعاً بين الوظيفتين وإحرازاً للفضيلتين.
هذا ، وقد جُمع بينهما ؛ تارةً بحمل الحمد على مطلق الثناء الجميل بأيّ صيغة أفاده ، سواء كان بلفظ الحمد أم لا ، فيعمّ الثناء بالبسملة لاشتمالها على إظهار صفاته الجميلة وتضمّنها النعم الجزيلة ، فيكون في الابتداء بها عمل بالحديثين لتحقّق الابتداء بالحمد في ضمن الابتداء بها ، فيرتفع البَوْنُ من البين. وتارةً بحمل الباء في الخبرين على الاستعانة أو الملابسة. ولا ريب في أنّ التلبّس بشيء والاستعانة به لا ينافي التلبّس والاستعانة بغيره ؛ ولأنَّ التلبّس يعمُّ الابتداء بالشيء على وجه الجزئية. وَذَكَرَهُ قبل الابتداء بلا فصل فيجوز جعل أحدهما جزءاً ، وذكر الآخر قبله بلا فصل ، فيكون آنُ الابتداء آنَ التلبّس بهما.
وأُورد عليه بأنّ حمل الباء على الاستعانة ليس بسديد ؛ لاقتضاء حمل الباء [ في البسملة (١) ] عليها (٢) جعل بسم الله آلةً ، والآلة غير مقصودة بذاتها ، وخروج الحمد
__________________
(١) في المخطوط : فيهما بسملة عليها.
(٢) أي : على الاستعانة.