وأمَّا مخالفونا فمنهم مَنْ اضطرّ إلى جعل الحمد هنا بمعنى المدح الشامل للاختياري وغيره مجازاً من باب ذكر الخاصّ وإرادة العامّ ، كما قيل في قوله تعالى ( عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً ) (١). ولا يخفى ما فيه.
ومنهم مَنْ التجأ إلى أنَّ تلك الذات لمّا كانت بنفسها كافيةً في اقتضاء تلك الصفات نُزِّلت منزلة أفعال اختياريّة يستقل بها فاعلها من باب الاستعارة لجامع الاستقلال ، فيصحّ الحمد عليها باعتبار مشابهتها للاختياري.
ولا يخفى ما فيه على ذي بال ؛ إذ لازمه كونها كالاختياريّة لا كونها اختياريّة حقيقيّة ، كما هو المفروض في ذلك المقال.
وبقيت لهم أجوبة أُخر لا يليق أنْ تذكر ، بل هي بالإعراض عنها أجدر.
وأمّا الحمد عرفاً فهو فعل يُقصد به تعظيم المنعم بسبب الإنعام على الحامد أو غيره من الأنام ، سواء كان ذِكْراً باللسان أم اعتقاداً بالجنان أم خدمةً بالأركان.
وقولنا : في فعل يقصد به ، مع أنَّ المتداول بينهم فعل ينبئ عن تعظيم المنعم (٢) ؛ لأنّ الإنباء عن الشيء لا يستلزم تحقّقه فضلاً عن قصده مع اعتبار قصد التعظيم قطعاً.
اللهمَّ إلّا أنْ يُجعل شرطاً لا جزءاً ، أو يمنع عدم الاستلزام ولو ظاهراً ، بحيث يظهر من الفعل المنبئ عن التعظيم ؛ لأنّ ذلك الفعل إذا أنبأ عن شيء كان ذلك الشيء لازماً له ؛ لامتناع عدم تحقّق اللازم مع تحقّق الملزوم ، ولعدم اشتراط تحقّق التعظيم في نفس الأمر ، ضرورة تعذّر الاطّلاع عليها ، وعدم الوصول إليه. كما أنّ الجهل بالمنبئ عن التعظيم لا يقدح في تحقّق الإنباء ، وإلّا لقدح الجهل بالوضع في تحقّق الدلالة الوضعيّة.
فلا يرد النقض بأنَّ الاعتقاد الجناني لا يُتَصَوَّر إنباؤه عن التعظيم ، لعدم اطّلاع الغير
__________________
(١) الإسراء : ٧٩.
(٢) التعريفات : ٤٢.