باطني ، إذ الإنعام لا يبعث على التهزِّي ، ولهذا لو صدر من المُنْعَم عليه بالنسبة إلى المُنْعِم لذمَّهُ العقلُ الفطري.
ثمّ عقَّب الحمد المستلزم للإنعام المدلول عليه بالفعل بقوله :
( استتماماً لنعمتِهِ والحمدُ فضلهُ ) تأكيداً لما دلّ عليه الحمد بالالتزام من الفضل والإنعام ؛ تارةً تلويحاً بطلب الإتمام الذي هو فرع الوجود ، وأُخرى تصريحاً بالاعتراف بأنَّ الحمد أيضاً من جملة النعم والجُود ، وتنبيهاً على أنَّه سبحانه كما يستحقّ الحمد لذاته كذلك يستحقّه لصفاته ؛ لأنَّ نسبة الحمد إلى الذات باعتبار وصفٍ يُشعر بعلِّيَّته ، فجمع بين وظيفتي الترتُّب على الذات والترتُّب على الصفات ، مراعياً قانون الحكيم في تقديم ما حَقّه التّقديم ، منبّهاً بتوحيد النعمة على أنَّ نعمه تعالى أجلّ من أنْ تُحصى بِعدٍّ وتحصر بحدٍّ ، وأعظم من أنْ تستتمّ على عبدٍ ؛ لتوالي فيوضه الجزيلة وتتالي أياديه الجميلة ، فلا يُعقل تناهيها ، وحصر بواطنها وبواديها ، وإنّما يفيضها على عباده من صالحٍ وطالحٍ على حسب الحِكَم والمصالح ، وبالمفعوليّة الأجلية التي جعلها للحمد علّة غائية ، على صغرى دليلٍ كبراه مطويّة ، فكأنّه قال :
الله مستحق للحمد ؛ لأنَّه منعمٌ.
وكلُّ منعمٍ مستحقّ للحمد.
فهو تعالى مستحقٌّ للحمد.
فإنْ اعتبر إيصال نعمة خاصّة إلى المنعم عليه تحقّق الحمد والشكر ؛ لكون ذلك مادّة اجتماعهما ، وإنْ اعتبر إيصال النعمة ولو إلى الغير تحقّق الحمد خاصّة ؛ لأنَّه مادة افتراقهما ، بناءً على أنَّه يُشترط في الشكر وصول النعمة إلى الشاكر.
وأمّا على عدمه ، فكلّما وجد الحمدُ وجد الشكر ، كما سيجيء الكلام فيه إن شاء الله تعالى.