بالحقّ لا يمكن أنْ يكون غير واجب الوجود لذاته ، وكلّ ما لا يكون موجوداً فليس بواجب الوجود لذاته ، فنفي المعبود بالحقّ غير الله نفي إمكانه ؛ لأنّه لو أمكن لكان واجب الوجود ، وإذا كان واجب الوجود يكون معبوداً بالحق البتة.
وبعبارة اخرى أخصر : نفي الوجود يستلزم نفي الإمكان ، إذ لو اتّصف فرد آخر بوجوب الوجود لوجد ، فإذا لم يوجد علم عدم اتّصافه به ، وما لم يتّصف به لم يمكن أنْ يتّصف به (١).
وفيه : أنَّ المقصود من هذه الكلمة الشريفة إنّما هو نفي استحقاق العبادة عن غير الله تعالى. وهو وإنْ استلزم وجوب الوجود واقعاً لكنّه ليس كذلك عند الكفّار ؛ لأنّهم مع عبادتهم الأصنام والأشجار يعتقدون أنَّها ليست واجبة الوجود فلا يلزم من اعترافهم بنفي الإمكان نفي الإمكان ، فلا تكون حينئذ نصّاً في الإيمان.
وقيل : تقديره ممكن.
وأُورد عليه : بأنّ إمكانه لا يستلزم وجوده بالفعل وإنْ استلزم عدم إمكان غيره ، مع أنّه لا بدّ في التوحيد من وجوده بالفعل ونفي إمكان غيره.
وأجاب عنه جمال الدين أيضاً ب : ( أنَّ إمكان اتّصاف شيء بوجوب الوجود يستلزم اتّصافه به بالفعل وهو مستلزم لوجوده بالفعل بالضرورة ، فإذا استفيد منها إمكانه تعالى يستفاد وجوده أيضاً ، إذ كلّ ما لم يوجد يستحيل أنْ يكون واجب الوجود ) (٢).
أقول : أمّا قوله رحمهالله : ( إنَّ إمكان اتّصاف شيء بوجوب الوجود ) .. إلى آخره ، فهو مسلَّم ، لكنّه لا ربط له بالمُدّعى ؛ إذ لم يقدّر ممكن اتّصافه بوجوب الوجود ليستلزم الوجود الفعلي.
وأمّا قوله رحمهالله : ( فإذا استفيد منها إمكانه تعالى يستفاد وجوده أيضاً ).
ففيه : أنَّ المُورِدَ قد سلَّمَ الدلالة على الوجود ، وإنّما أراد إثبات الدلالة على
__________________
(١) التعليقات على شرح اللمعة الدمشقية : ٤.
(٢) التعليقات على شرح اللمعة الدمشقية : ٤.