بحث في النبوّة
ثمّ لمّا كان التوحيد موقوفاً على الشهادة برسالة نبيّنا المجيد الحميد قَرَنَ الشهادةَ الأُولى التي هي الركن الأوّل بالركن الثاني الذي هو قوله :
( وأشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً ) ، وشرَّفه بألّا يذكر إلّا ويذكر معه. وبهذه المزية خصَّه وبجَّله.
قال أمير المؤمنين وسيّدُ الموحدين في خطبة الجمعة والغدير بعد ذكر بعض أوصاف ذلك النبيّ الكبير : « قَرَنَ الاعتراف بنبوّته بالاعتراف بلاهُوتيَّته واختصَّهُ من تكرمَتِه بما لم يلحقهُ [ فيه (١) ] أحدٌ من بريَّته » (٢) .. إلى آخره.
وحيث إنَّ الشهادة لا بدّ لها من مستند ولا سيّما على تقدير أخذها من الحضور فالمستند هنا أمران :
الأوّل : عامٌّ لجميع الأنام حتى العوامّ وهو المعجز القاهر والبرهان الباهر الذي ثبت جُلُّه بالتواتر وباقيه بالتسامع والتظافر ، حتى ملأ الدفاتر وتناقله الثقات كابراً عن كابر ، ولا سيّما المعجز الباقي إلى انقضاء عالم التكليف وهو القرآن الحكيم والفرقان العظيم ، الشاهد بنبوّته والمصدِّق لرسالته ، فإنَّه شاهدٌ حاضر في كلّ قرنٍ قرن ، وزمنٍ زمن في الماضي والغابر ، لا تفنى عجائبه ولا تنقضي غرائبه ، ولا تُرَدُّ شهادته ولا تفلج حجّته.
والثاني : خاصّ بمَنْ صفا ذهنه ولطف حسّه من ذوي الأفهام السليمة والأفكار المستقيمة ، وهو أنَّ مَنْ عرف الله تعالى وصفاته وأفعاله وآثارها ، وعرف أسرار هذا الدين ظاهراً وباطناً ، عرف بالضرورة أنَّ محمّداً رسول الله صلىاللهعليهوآله حقاً ونبيّه صدقاً ؛ فإنَّ مَنْ نظر إلى سيرته وما جاء به من الأوامر والنواهي في شريعته ، وتفكّر في آدابه الشريفة وأخلاقه اللطيفة ، وهمّته العلية وشيمه الأبية ، وفتوحه العظيمة وكراماته
__________________
(١) من المصدر.
(٢) مصباح المتهجّد : ٦٩٧ ، البحار ٩٤ : ١١٣ / ٨.