الجسيمة حصل له القطع بأنَّ هذا كلّه إنّما صدر عن حكمة ربانيّة وقوةٍ إلهيّة ، ولا تصدر عن قوّة بشريّة ، وإنَّه لا يمكن صدورها عن أحد من البشر إلّا بالوحي الإلهي والفيض الرباني ، لا بسحر ولا كهانة ولا رياضة ولا في نوم ولا يقظة. وذلك لجريان ما أتى به صلىاللهعليهوآله في جميع الأحوال على طبق الحكمة ، ولا يكون كذلك إلّا إذا كان عن الله عزوجل ، فإنَّ الخطأ والغفلة ، والسهو والنسيان مساوقان للإنسان.
وممّا يدلّ على ذلك أنَّ جملة من الكفرة قد أسلموا لمجرّد ما رأوا أخلاقه وسيرَهُ ، وأنَّ جُملةً من أعدائهِ ومقابليه كانوا في نبوّته مصدّقيه ، وأنَّهم إنّما لم يتّبعوه بمحض العصبية والحمية الجاهلية ، كما روي أنَّ أبا جهل لعنه الله سُئِل عنه صلىاللهعليهوآله فقال : إنَّه نبيٌّ حقّا ، ولكن متى تكون بنو مخزوم تبعاً لبني هاشم؟ ولهذا قال تعالى ( وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا ) (١).
وبالجملة ، فإنَّ تلك العلامات الظاهرة والمعجزات الباهرة تدلّ بأوضح دلالة وتفصح بأوضح مقالة أنَّ نبيّنا صلىاللهعليهوآله ( نبيٌّ ) لا نبيَّ بعده ، كما لم يُدْرك مَنْ قبلَهُ من الأنبياء مَجْدَهُ.
وهو مشتق إمّا من ( النبإ ) بالهمز بمعنى الخبر ؛ لأنَّ النبيّ هو المخبر عن الله تعالى بغير واسطة أحدٍ من البشر ، أو من ( النبوة ) بمعنى الارتفاع ؛ لارتفاع قدره على جميع مَنْ سواه. وإمَّا من ( النبيّ ) وهو الطريق الواضح ؛ لأنّ النبيّ هو طريق الخلق إلى خالقهم ، وموصلهم إلى مراد بارئهم.
وقد تُطلق النبوّة في بعض الاصطلاحات على قبول النفس القدسية حقائق المعقولات والمعلومات من جوهر العقل الأوّل ، كما أطلقوا الرسالة على تبليغ تلك المعقولات والمعلومات إلى المستعدّين لتلك المقبولات.
__________________
(١) النمل : ١٤.