والظاهر الاستحباب ، كما هو المشهور بين الأصحاب ؛ لصحيح بن يقطين السابق ، ولعدم نصّ في الباب ، وعليه يحمل ما ظاهره الإيجاب.
وأمّا أخبار النهي عن القراءة الشامل لموضع النزاع ، فهي مخصّصة بما دلّ عليها مع عدم السماع ؛ لوجوب تقديم الخاصّ على العامّ.
وأمّا الأخبار الدالّة على وجوب الإنصات المستشهد فيها بالآية الكريمة (١) عليه فلا دلالة لها على المدّعى ؛ إذ الأمر بالإنصات معلّل بقراءة القرآن ، ولا معنى للإنصات لشيء لا يسمع أصلاً ؛ إذ المعلول عدم عند عدم علّته.
وأمّا الحمل على الكراهة فلا حاجة إليه ولا تعويل عليه ، ولا فرق في عدم السماع بين كونه لبُعدٍ أو صممٍ أو مزاحمة أصوات ؛ لدخول الجميع في إطلاق صدق عدم السماع.
وإن سمع بعضاً دون بعضٍ ، فهل تجب القراءة كَمَلاً ؛ لأصالة عدم السقوط إلّا بسماع الجميع ، أو القراءة عند عدم السماع وعدمها عنده مع مراعاة الترتيب ، أو لا تجب أصلاً كالمسموع كَمَلاً؟ وجوهٌ ، أوسطها أوسطها ، فيبتدئ بما لم يسمعه ، فإنْ سمع في الأثناء شيئاً اعتدّ به ، مراعياً عدم الإخلال بالترتيب بين المسموع وغيره ، معيداً لما يتوقّف النظم عليه بقصد المقدّمة لإحراز النظم. والله العالم.
وعلى تقدير القول بالقراءة ، فهل المراد قراءة الفاتحة والسورة ، أو الفاتحة وحدها؟ خلافٌ.
وظاهر جماعة الأوّل ؛ لأنّه المتبادر من إطلاق القراءة في الأخبار ، وكلام علمائنا الأخيار.
وعن الشيخ رحمهالله (٢) وجماعة (٣) بأنَّ المراد قراءة الفاتحة وحدها ؛ لأنّها القدر المتيقّن ، ولا يخفى ما فيه ، والله العالم.
__________________
(١) الأعراف : ٢٠٤.
(٢) المبسوط ١ : ١٥٨ ، النهاية ١١٣.
(٣) المهذّب ١ : ٨١ ، الجامع للشرائع : ١٠٠.