وبالجملة ، فالأقوال في هذا الموضع غير مضبوطةٍ ، والنقول غير منقّحةٍ ، فلا بدَّ من الرجوع إلى كلمات أولئك الفحول من تلك الأُصول ، من غير اعتماد على النقول.
فأقول : أمّا الصدوق رحمهالله ، فاقتصر في باب صلاة الجماعة من ( الفقيه ) على الأخبار الناهية بعد ضمّ بعضها إلى بعض عن القراءة خلف الإمام المرضي إلّا في الجهريّة إذا لم يسمع ولا همهمة ، وعلى الأخبار الآمرة بالتسبيح في الركعتين الأخيرتين من غير فصل بين الجهريّة والإخفاتيّة.
ومنها : صحيح الأزدي الآمر بالتسبيح خلف الإمام في الصلاة الإخفاتيّة ، وظاهره وجوب التسبيح ، كما يدلّ عليه عبارته التي نقلها عنه العلّامة في ( المختلف ) ، ولعلّها من غير ( الفقيه ) ، قال ما لفظه : ( وقال الصدوق أبو جعفر بن بابويه : واعلم أنّ على القوم في الركعتين الأُوليين أن يسمعوا إلى قراءة الإمام ، وإن كان في صلاة لا يجهر فيها بالقراءة سبّحوا موضع القراءة ، وعليهم في الركعتين الأخيرتين أن يسبّحوا ) (١). انتهى.
وهو ظاهرٌ في وجوب التسبيح على المأمومين عيناً في الأخيرتين مطلقاً ، فيوافق ما نقله عنه في ( مجمع الأحكام ).
وقال رحمهالله في ( المقنع ) : ( وإذا كنت إماماً فعليك أن تقرأ في الركعتين الأُوليين ، وعلى الذين خلفك أن يسبّحوا ، يقولون : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلّا الله ، والله أكبر. وإذا كنت في الركعتين الأخيرتين فعليك أن تسبّح مثل تسبيح القوم في الركعتين الأُوليين ، وعلى الذين خلفك أن يقرءوا فاتحة الكتاب. وروى : « إنّ على القوم في الركعتين أن يستمعوا إلى قراءة الإمام وإن كان في صلاة لا يجهر فيها بالقراءة سبّحوا ، وعليهم في الركعتين الأخيرتين أن يسبّحوا » ولهذا أحبّ إليَّ ) (٢).
وما ذكره أوّلاً هو مضمون خبر أبي خديجة (٣) ، بإبدال ( الأخيرتين ) في آخره بـ ( الأُوليين ) وما ذكره أخيراً ينافي صحّة ما نقل عنه من الجزم بوجوب التسبيح ، وإنْ
__________________
(١) المختلف ٣ : ٧٦.
(٢) المقنع ( الصدوق ) : ١١٩ ـ ١٢٠.
(٣) انظر ص ٢٥٤ هامش ٣.