( والأقرب في الجمع بين الأخبار استحباب القراءة في الجهريّة إذا لم يسمع قراءته ولا همهمته لا الوجوب ، وتحريم القراءة فيها مع السماع لقراءة الإمام ، والتخيير بين القراءة والتسبيح في الأخيرتين من الإخفاتيّة ) (١). انتهى.
وأغرب منه أنّهم رضوان الله عليهم نقلوا عنه في ( المختلف ) التخيير استحباباً بين القراءة والتسبيح في أخيرتي الجهريّة أو أخيرتها ، وليس فيه كما ترى تعرّضٌ لوجه التخيير ، ولا لأخيرتي الجهريّة أو أخيرتها ، بقليلٍ ولا كثيرٍ ، ولا ينبّئك مثل خبير.
وبالجملة ، فمفاد عبارة ابني سعيد في ( الشرائع ) و ( النافع ) و ( الجامع ) ، والعلّامة في ( الإرشاد ) و ( القواعد ) كما سمعته في تلك المواضع إنّما هو التنبيه على أنّ تعيّن القراءة في الأُوليين مخصوصٌ بغير المأموم ، وأنّ حكمه فيهما ؛ إمّا تحريم القراءة ، أو كراهتها ، أو استحبابها ، على ما مرّ من الأقوال المذكورة. وأمّا في الأخيرتين فهو باقٍ على أصل حكم التخيير وإنْ وقع الخلاف في تعيين الراجح الأثير.
فالوجه الجامع بين الأخبار ، الملائم لها بعد الانتشار ، والناظم لها بعد الانتثار ، هو ترك القراءة في الأُوليين من غير فصلٍ بين ذوات الإجهار والإسرار ، إلّا في الجهريّة إذا لم يسمع ولا همهمة فتستحبّ. ووجوب الإنصات في أوليي الجهريّة. واستحباب التسبيح في أُوليي الإخفاتيّة ، والاستدلال عليه يظهر ممّا مرّ من تلك الأخبار المعتبرة القويّة. والتخيير وجوباً بين قراءة الحمد والتسبيح في الأخيرتين من غير فصلٍ بين أخيرتي الجهريّة والإخفاتيّة ، وأفضليّة التسبيح ؛ لإطلاق ما دلّ على الوجوب التخييري للمصلّي الشامل للمأموم ، وما يصلح للتقييد غير معلوم ، بل هو معدوم ، مضافاً الى ظهور أخبار الضمان في القراءة العينيّة المستقرّة في ذمّة المكلّف ، المبدل عنها في الأُوليين بقراءة الإمام ، فيبقى غيرها في ذمّة المأموم ، الذي اشتغاله بها معلوم ، إلّا أنْ يثبت بقرينة الأخبار المسقطة ، المتوعّد فيها بالبعث على غير الفطرة أصلٌ ثانوي حاكمٌ على ذلك الأصل ، وهو لما مرّ غير معلوم.
وأمّا ما في خبر ابن سنان (٢) المشتمل على إجزاء التسبيح في الإخفاتيّة ، بحمل
__________________
(١) المختلف ٣ : ٧٨.
(٢) التهذيب ٣ : ٣٥ / ١٢٤.