وأمّا ما في ( المدارك ) من ضعف دلالة الصحيحين على الوجوب ، باشتمال صحيح زرارة على النهي عن القراءة في الأخيرتين ، المحمول على الكراهة ، وكون القراءة في النفس الدالّ على عدم وجوب التلفّظ ، واشتمال صحيح ابن الحجّاج (١) على الأمر بالتجافي ، المحمول على الندب (٢).
أمّا أوّلاً ؛ فلعدم الانحصار في الصحيحين المذكورين.
وأمّا ثانياً ؛ فلأنَّ الاشتمال على الأمر المحمول على الندب والنهي المحمول على الكراهة معارضٌ بالاشتمال على ما هو للوجوب قطعاً ، كجعل ما يدركه أوّل صلاته ، الذي لا خلاف فيه بين جميع الإماميّة الأطياب ، وانحصار الخلاف في أُولي الأذناب ، وكالجلوس للتشهّد الواجب ، ثمّ القيام لمتابعة الإمام.
فيبقى الأمر الظاهر في الوجوب سليماً عن المعارض في الباب.
وأمّا ثالثاً ؛ فلظهور صحيح زرارة في النهي عن القراءة العينيّة كقراءة الأُوليين ؛ ليحصل به الفرق بينهما وبين الأخيرتين ، كما هو الظاهر من قوله عليهالسلام : « لا تجعل أوّل صلاتك آخرها » ، لا القراءة التخييرية ، فيبقى النهي على التحريم ، ويُنفى التنافي في البين.
وأما رابعاً ؛ فلأنّ الخبر الآمر بالقراءة غير الخبر الآمر بالتجافي ، بل هو خبرٌ آخر وإن اتّحدا في السند ، بدليل انفصاله عنه بقوله : قال : وسألته عن الرجل الذي يدرك .. إلى آخره. ولذا اقتصرنا على إيراده دون ما قبله.
ولو سلّم الاتّحاد فلا يلزم من اشتماله على مندوبٍ كون كلّ ما فيه كذلك ، بل القرينتان متكافئتان ، فترجيح إحداهما على الأُخرى ترجيحٌ بلا مرجّح هنالك ؛ ولذا احتجّ البعض لوجوب التجافي ؛ لظهور الأمر فيه واشتماله على واجب ، فتتساقطان ويبقى الأمر على أصله ، كما لا يخفى على المرتاد السالك.
وأمّا خامساً ؛ فلأنّ القراءة في النفس كنايةٌ عن الإخفات ، ولذا شاع التعبير بها عنه في
__________________
(١) الكافي ٣ : ٣٨١ / ١ ، الوسائل ٨ : ٣٨٧ ، أبواب صلاة الجماعة ب ٤٧ ، ح ٢.
(٢) المدارك ٤ : ٣٨٣ ، بالمعنى.