لأنّا نقول : هذا إنّما يتمّ على جعل السورة حقيقةً في ما عدا الفاتحة من أجزاء القرآن المفتتحة بالبسملة التي أقلّها ثلاث آيات ، وأنّى له به ، بل الفاتحة مندرجة في ضابطة السورة ، وإنّما خصّت بهذا الاسم من دون سائر السور لأنّها أوّل القرآن (١) ، لأنّ فاتحة كلّ شيء أوّله ، كما أنّ خاتمته آخره ، أو لأنّها أوّل السور نزولاً كما عليه جمٌّ غفير من المفسّرين (٢) ، أو لما نقل من كونها مفتتح الكلام المثبت في اللوح المحفوظ ، أو مفتتح القرآن المنزل جملةً واحدة إلى السماء الدنيا ، أو لأنّه يفتح بها مقفلات المطالب الدنيويّة والأُخرويّة ، إلى غير ذلك من التعليلات القويّة.
فهي في الأصل ؛ إمّا مصدر بمعنى الفتح كالكاذبة بمعنى الكذب ، أو صفة والتاء فيها للنقل من الوصفيّة إلى الاسميّة كالذبيحة والحقيقة ، ففاتحة الكتاب إنْ اعتبرت أجزاء الكتاب سوراً فالأوّليّة حقيقيّة ، وإنْ اعتبرت آيات أو كلمات مثلاً فمجازيّته من باب تسمية الكلّ باسم أجزائه ، وإضافة الفاتحة إلى الكتاب كإضافة الجزء إلى الكلّ ، كيد زيد ، وإضافة السورة إلى الفاتحة من إضافة العامّ إلى الخاصّ ، كبلدة البحرين. فاندفع بهذا التحقيق عدم اختصاص السورة بما عدا الفاتحة ، وثبت إطلاق السورة عليها ، فيبقى الخبر دالّاً على الجهر في الأخيرتين.
فحاصل المعنى حينئذٍ : أنّه إذا جهر بالبسملة تخلّف المنافقون ، فإذا تعدّاها وشرع في الفاتحة عادوا إلى مواضعهم ؛ بناءً على أن القراءة إخفاتيّة كما هو ظاهر السياق ، أو مطلقاً لمزيةٍ في البسملة دون غيرها من أجزاء القرآن ؛ لما ورد من أنّها أقرب إلى الاسم الأعظم من سواد العين إلى بياضها (٣). وغيره من مزاياها المذكورة في محالّها.
على أنّا لو تنزّلنا وسلمنا ظهوره في الأُوليين ، إلّا إنه غير دالٍّ على الإخفات في الأخيرتين ، إذ لم ينصّ فيه على أنّه يقرأ في الأخيرتين ويخفت بها ، بل قصارى ما دلّ
__________________
(١) مجمع البيان ١ : ١٧.
(٢) أسباب النزول : ١٧.
(٣) عيون أخبار الرضا عليهالسلام ٢ : ٥ / ١١ ، بالمعنى.