المبحث الثالث
في الاستدلال على القول الثالث
ولنكتفِ في ذلك بما في ( السرائر ) ؛ لأنّه معتمد الأواخر.
قال المحقّق العلي الشيخ محمّد بن إدريس الحلّي في كتابه ( السرائر ) : ( فأمّا الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في الركعتين الأخيرتين فلا يجوز ؛ لأنّ الأخيرتين لا تتعيّن فيهما القراءة ، وإنّما الإنسان مخيّر بين التسبيح والقراءة.
والدليل على ذلك : أنّ الصلاة عندهم على ضربين ، جهريّة وإخفاتيّة. فالإخفاتيّة الظهر والعصر ، فإنّ الجهر بالبسملة في الركعتين بالأُوليين مستحبّ ؛ لأنّ فيهما تتعيّن القراءة ، فأمّا الأخيرتان فلا تتعيّن فيهما القراءة. والصلاة الجهريّة الصبح والمغرب والعشاء الآخرة ، فإنّ الجهر بالبسملة واجبٌ كوجوبه في جميع الجمل ، فأمّا الأخيرتان فلا يجوز الجهر بالقراءة إن أرادها المصلّي ، فقد صار المراد بالجهر الركعتين الأُوليين دون الأخيرتين ، ولا خلاف بيننا في أنّ الصلاة الإخفاتيّة لا يجوز فيها الجهر بالقراءة ، والبسملة من جملة القراءة ، وإنّما ورد في الصلاة الإخفاتيّة التي تتعيّن فيها القراءة ، ولا تتعيّن القراءة إلّا في الركعتين الأُوليين فحسب.
وأيضاً طريق الاحتياط يوجب ترك الجهر بالبسملة في الأخيرتين ؛ لأنّه لا خلاف بين أصحابنا بل بين المسلمين في صحّة صلاة من لا يجهر بالبسملة في الركعتين الآخرتين ، فمن ادّعى استحباب الجهر في بعضها وهو البسملة فعليه الدليل.
فإنْ قيل : عموم الندب بالاستحباب بالجهر في البسملة.
قلنا : ذلك في ما تتعيّن وتتحتّم القراءة فيه ؛ لأنّهم قالوا : يستحبّ الجهر بالبسملة في ما تجب القراءة فيه في الإخفات ، والركعتان الأخيرتان خارجتان عن ذلك. وقد