السائل. فقلت : ربّما كانا موافقين لهم ، أو مخالفين ، فكيف أصنع؟ فقال : « خذ بما فيه الحائطة لدينك ، واترك ما خالف الاحتياط » (١).
وأنت خبير بأنّه لم يأمر بالاحتياط إلّا مع التساوي في جميع وجوه التراجيح ، وما هنا ليس كذلك ؛ إذ الجهر موافق لشعار الإماميّة ، ومخالفٌ لتلك الفرقة الغويّة. نعم ، لو اشتركا فيه اتّجه ما قاله ، وليس فليس.
ومن الثاني : مكاتبة عبد الله بن وضّاح ، قال كتبت إلى العبد الصالح عليهالسلام : يتوارى القرص ويقبل الليل ، ثمّ يزيد الظلام ارتفاعاً ، وتستتر عنّا الشمس ، وترتفع فوق الجبل حمرة ، ويؤذّن المؤذّنون ، فأصلي حينئذٍ وأفطر إنْ كنت صائماً ، أو أنتظر حتّى تذهب الحمرة التي فوق الجبل؟.
فكتب عليهالسلام إليَّ : « أرى لك أنْ تنتظر حتّى تذهب الحمرة ، وتأخذ الحائطة لدينك » (٢).
وصحيح عبد الرحمن بن الحجّاج ، قال : سألتُ أبا الحسن عليهالسلام عن رجلين أصابا صيداً وهما محرمان ، الجزاءُ عليهما ، أم على كلّ واحدٍ منهما؟ قال : « لا ، بل عليهما أنْ يجزي كلّ واحد منهما عن الصيد ».
قلت : إنّ بعض أصحابنا سألني عن ذلك ، فلم أدرِ ما عليه ، فقال : « إذا أصبتم مثل هذا فلم تدروا ، فعليكم بالاحتياط » (٣).
ولا يخفى أنّ مورد المكاتبة هو اشتغال الذمّة بالصيام والصلاة في وقتها ، ولا يحصل يقين البراءة بالإفطار والصلاة قبل زوال الحمرة ؛ لاحتمال عدم دخول الوقت ، واستصحاب بقاء النهار. وعند زوالها يحصل يقين البراءة إنْ لم يحكم بمجرّد الاستتار. فموردها توقّف البراءة على أمر واحد ممكن الحصول ، وما نحن فيه ممّا توقّف فيه اليقين على الإتيان بأمرين متباينين ، ولا يخفى الفرق في البين على ذي عين.
__________________
(١) غوالي اللئلئ ٤ : ١٣٣ / ٢٢٩.
(٢) التهذيب ٢ : ٢٥٩ / ١٠٣١ ، الوسائل ٤ : ١٧٦ ـ ١٧٧ ، أبواب المواقيت ، ب ١٦ ، ح ١٤.
(٣) الكافي ٤ : ٣٩١ / ١ ، الوسائل ١٣ : ٤٦ ، أبواب كفارات الصيد ، ب ١٨ ، ح ٦.