فهناك قطن فيها وسكن ، وهمى غيثُ جوده وهتن ، وقصدته الخلق لأجوبة المسائل ، وتحقيق الحقائق وتنقيح الدلائل ، وصار كعبةً تُشدُّ إليها الرواحل. واشتغل بالتصنيف والتدريس ، وحضر عنده من طلبة العلم والأدب ، من العجم والعرب جمعٌ كثير. وقد عرض بعض مصنَّفاته ، التي كتبها قبل رواحة للنَّجف الأشرف على علماء ذلك النادي المشرَّف ، فاستحسنوها ، وأقروا له بالفضيلة.
وقد أعرضَ طاب ثراه عن طلب الإجازات من علماء النجف الأشرف وغيرهم ؛ تورُّعاً وتوقُّفاً عمّا ربّما يُتوهَّم أن ذلك لأغراضٍ دنيويةٍ ؛ فلهذا أعرض عنها بالكليّة.
نعم ، لمّا صنّفَ كتاب ( زاد المجتهدين في شرح بلغة المحدثين ) في علم الرجال ، اضطرّ إلى أخذ إجازة ؛ ليذكر سلسلته هناك ، كما هو مقرَّرٌ عند علماء ذلك الفن ، فاستجاز من بعض السادة العلماء الكبار ، فأجازه إجازةً عامة.
فأقام بالبحرين مقدار سنتين ، ثم سافر للعتبات العالية بقصد الزيارة مع الأولاد والعيال.
فلمّا وصل إلى القطيف ، وكانت على الطريق ، ومعه زوارٌ منها ، سمع بورود محمد بن خليفة حاكم البحرين هناك وهو يريد الرَّواح للبحرين ليَأْخُذَها من يد أخيه علي بن خليفة عنوةً. واجتمع معه عدَّةٌ من الأعراب ، فخاف قدسسره من رواحة إليها ، ومصادفته ما يقع فيها ؛ فاستخار الله تعالى على النزول في القطيف حتى تنكشف حقيقة الحال ، فخرجت الخيرة على نزوله القطيف أمراً ، وعلى رواحة البحرين نهياً.
وكان معه جماعةٌ من أهل البحرين زوّار فألحّوا عليه ، والتمسوا منه أن يمضي معهم ، فتعذَّر منهم بسبب الخيرة ، ووقوعِ هذا الخبر الموجب للتوقف والحيرة ، فنزل في القطيف. ثم بعد يومين من نزوله فيها ، وقعت الواقعة العظيمة الكبرى في البحرين ، فسلَّمه الله تعالى ومَنْ معه منها ومن كل شين ، وتلفت له فيها كتب كثيرة