وتقديرها. وهذا في غير نفس المعصوم ، فإنّه بالفعل على ولادته العقليّة الأوّليّة ، ولهذا كان يقرأ حين ولادته الكتب السماوية.
وهي قوّة وغريزةٌ يتميّز الإنسانُ بها عن سائر البهائم ، ويستعدّ لقبول العلوم النظريّة وتدبير الصنائع الفكريّة ، ويستوي فيها الأحمقُ والذكيّ ، وتوجد في الغافل والنائم والمُغمى عليه والذاهل.
والعقلُ بهذا المعنى ممّا اصطلح عليه الحكماء واستعملوه في كتاب البرهان ، ويعنون به قوّة النفس التي بها يحصلُ اليقين بالمقدّمات الصادقة الضروريّة من غير توقّف على قياسٍ ولا فكر ، بل بالفطرة الإلهية والطبيعة الإنسانيّة.
وهو بهذا المعنى جزءٌ ما من النفس تحصل به أوائل العلوم ، كالعلمِ بأنّ الاثنين ضعفُ الواحد وأنّ الواحد نصفُ الاثنين ، وغيرها. كما ورد عن أمير المؤمنين عليهالسلام أنّه قال « خَلقَ الإنسانَ ذا نفسٍ ناطقة ، إن زكّاها بالعلمِ والعملِ فقد شابهتْ أوائلَ عللِها ، وإذا اعتدلَ مزاجُها وفارقتْ الأضدادَ شابهتْ السبعَ الشّداد » (١).
والعقلُ بهذا المعنى مناطُ التكليف والثواب والعقاب ، وهو المقابل للجنون ، وهو المصطلح عليه في لسان الفقهاء ، المشترط مع البلوغ في فنّ العبادات والمعاملات والسياسات. ولا يشترطُ فيه كونُه ذا قوّةٍ نظريّة ولا معرفة حقيّة ، بل قد يكون حصولُهُ في كثيرٍ من الكافرين أكثرَ من حصوله في كثير من المؤمنين.
وهو بمعنى الرشد الزائد على البلوغ ، والعقل في اصطلاح الفقهاء أيضاً. وقد
__________________
(١) غرر الحكم ودرر الكلم : ٤٢٣ / ٧٥ ، البحار ٤٠ : ١٦٥ ، بتفاوتٍ يسيرٍ.