يمنعْها مانعُ الشهوات. ولهذا ورد : « كلُّ مولودٍ يولدُ على الفطرةِ ، إلا أنْ يكونَ أبواه هما اللذان يُهوّدانه ، وينصّرانه ، أو يمجّسانه » (١). وتكون حينئذٍ كمالاً بالفعل لما هو بالفعل ، وإنْ كانت بالنّسبة لما بعدها في القوّة.
وهو صيرورةُ النفس بعد حصول العقل بالملكة ذات معرفة بالحدّ والدليل والنتيجة بغير تعمّل وتفكير وتأمّل ، وتصير كالأوّليات بالنسبة لها أوّلاً ، فالنظريّات الثانويّات بالنسبة لها كالأوّليات ، فلذا سمّيت عقلاً بالفعل ؛ لأنّ للنفس أنْ تشاهِدَهُ وتُدرِكَهُ متى شاءت من الأوقات.
وهذا قد يسمّى بالعقل المستفاد ، وقد يجعل مغايراً له ، وهو عند الأكثر ، وقد يُجعل العقل المستفاد قبل العقل بالفعل ؛ وهو أوْلى بالاعتبار.
وقد تُطلق المعاني ولا سيّما الهيولاني على النفس أيضاً ، بعلاقة السّببيّة والمسبَّبيّة ، بمعنى كون وجود النفس سبباً لإدراك تلك النظريّات بالنظر للدّليل والمقدّمات.
إذا عرفت هذا .. فلنرجع إلى شرح ما تضمّنه السؤال ، وتفصيل ذلك الإجمال :
فأمّا قولُ السائل سلّمه اللهُ تعالى ـ : ( إنّ العقل المتعيّنَ في نوعِ الإنسان هل هو مطلقاً دوام وجوده في كلّ إنسان .. إلى قوله ـ : مدّة الأعمار )؟.
فالجوابُ : إنّ العقلَ بمعنى النفس الناطقة وما يرجع لها من المعاني السابقة حاصلٌ لكلّ إنسان ، من غير فرقٍ بين الأبرارِ والفجّار ؛ لأنّ اللهَ تعالى بمقتضى حكمته النابغة ، ونعمته السابغة وحجّته البالغة خلق في كلِّ شخصٍ قوّةً واستعداداً لإدراك المضارّ والمنافع ، وبها تصدرُ الأفعالُ والتروك بالاختيار من غير قاسرٍ ولا رادع ـ ( فَمَنْ شاءَ
__________________
(١) الفقيه ٢ : ٢٦ / ٩٦ ، الوسائل ١٥ : ١٢٥ ، أبواب جهاد العدو ، ب ٤٨ ، ح ٣. وفيهما : « ما من مولود يولد إلّا على الفطرة ، فأبواه اللّذان يهوّدانه وينصرّانه ويمجّسانه ».