وقولي أيضاً : وكيف كان ، فالخبر المذكور ظاهر في أنّ ارتكاب الكبائر مع التصديق بالتحريم واستحقاق العقاب والتأثيم غيرُ مخرج عن اسم الإيمان العام ، وإنّما يخرج بالاستحلال والإنكار لأحكام الملك العلّام.
وقولي أيضاً في الجواب عن قوله تعالى ( أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ ) (١) ـ : حيث إنّ ظاهرها ينافي ما ذكرته من اجتماع الفسق والإيمان ، بدلالة الأخبار على أنّ المراد بالمؤمن أمير المؤمنين عليهالسلام ، وبالفاسق الوليد المهين .. إلى آخر الجواب.
وكلُّ هذه الفقرات صريحة في إثبات الإيمان للمصرّ على الصغائر ، بل ومرتكب الكبائر.
ثم قال السائل سلّمه اللهُ تعالى مورداً على هذا الجواب ، ما لفظه : ( ولمّا وقف العبدُ على ما افدتموه في كتابكم البديع من الخطاب لم يستفد منه سوى الإيضاح لما اشتمل عليه الأوّل من الجواب ، وليس المرادُ من الكتابة إلّا البيان لا ترصيع الأوراق بمثل هذا الجُمان ، فعادت المراجعة بِكْراً ).
أقول ـ وبالله الثقة والمأمول ـ : لا يخفى على مَنْ تأمّل في الجواب من أوّله إلى آخره وطبّق بعض فقرأته على بعض ، ولم يقصر نظره على بعض فقره ، أنّه مطابقٌ للسؤال ، وافٍ بحلّ الإشكال ، وذلك أنّ أصل سؤالكم إنّما هو عن الشفاعة لِمَنْ إذا كانت ذنوب تاركي الكبائر مكفّرة ، ومرتكب الكبائر غير مرتضىً ، والله عزوجل يقول ( وَلا يَشْفَعُونَ إِلّا لِمَنِ ارْتَضى ) (٢) ، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له (٣)؟ وحيثُ مهدتم هذه المقدّمات الثلاث حصل لكم الإشكال باستلزامها انتفاء موضوع الشفاعة.
__________________
(١) السجدة : ١٨.
(٢) الأنبياء : ٢٨.
(٣) الكافي ٢ : ٤٣٥ / ١٠ ، عيون أخبار الرضا عليهالسلام ٢ : ٧٤ / ٣٤٧ ، الوسائل ١٦ : ٧٥ ، أبواب جهاد النفس ، ب ٨٦ ، ح ١٤.