الفصل الأوّل
لم تكن ولاية البصرة حتى الربع الأخير من القرن التاسع عشر أكثر من جزء من باشوية بغداد التي تمتد من الخليج حتى مدينة ماردين طولاً ومن كردستان وجبال فارس حتى صحراء سوريا وشبه جزيرة العرب عرضا. لقد كانت الولاية لا تقل مساحته عن مساحة أي من الدول الأوروبية (١) تعاني وضعاً شاذاً؛ فهي من ناحية كانت تفصلها عن بقية الدولة العثمانية سلاسل جبلية وعرة وصحاري قاحلة أصعب منالاً، وهي من الناحية الأخرى باعتبارها محاددة لفارس وتقطنها قبائل عربية وكردية تحب الحرية، كانت على الدوام موضوعاً للنزاعات الاستيلائية لشاهات فارس ومسرحاً لانتفاضات عربية وكردية متعددة ضد السيطرة التركية. وقد تطلبت جدية الكفاح ضد العدو الخارجي والاضطرابات الداخلية في وقت واحد ضرورة تقوية سلطة وأهمية باشا بغداد. وذلك أمر لم يكن ممكناً، في الوضع السياسي والمإلى الذي كان سائداً في الإمبراطورية العثمانية والذي يذكرنا كثيراً بنظام العصور الوسطى الإقطاعي، إلّا بتوسيع المناطق الخاضعة لسلطنة هذا الباشا من أجل أن تزيد بهذه الوسيلة الأموال التي
______________________
(١) واضح أن حكماً كهذا يفتقر إلى الدقة فالحقيقة أن هناك العديد من الدول الأوروبية التي تزيد مساحتها على مساحة هذه الولاية. (المترجم).